هل فكرتم يومًا أن كلمة واحدة تكتبونها اليوم قد تصبح نورًا يهدي بعد سنوات؟ أن شعورًا صادقًا يحمله قلبك الآن يمكن أن يعبر حدود الزمن ليعيش في قلوب من تحب؟
اسمحوا لي أن أقودكم في رحلة بين الماضي والمستقبل، بين رسالة كتبتها ذات ليلة منذ 18 عامًا وابنة استلمت تلك الرسالة وفتحتها لأول مرة.
البداية: ليلة الميلاد في قلبي
في تلك الليلة، كنت أجلس في غرفتي وسط صمت عميق، ولكن في داخلي كانت هناك عاصفة من المشاعر. كتبت تلك الرسالة وكأنني أضع روحي على الورق. كنت أتحدث إلى طفل لم يُولد بعد، وجه لا أعرف ملامحه، صوت لم أسمعه أبدًا. كنت أتحدث إلى المستقبل، إلى من سيكون نبض قلبي، إلى ابنتي.
كتبت لها عن أحلامي، عن خوفي، عن شوقي لرؤيتها. كتبت عن البيت الذي وعدت والدتها ببنائه، عن اللحظات التي تخيلت فيها أولى كلماتها وخطواتها. ولكنني أيضًا كتبت عن الحياة، عن تحدياتها، وعن القوة التي أؤمن أنها ستجعلها تواجه كل شيء بثقة.
18 عامًا لاحقًا: لحظة فتح الرسالة
مرّت الأعوام. أراها تكبر يومًا بعد يوم، لكنها لم تكن تعلم عن تلك الرسالة شيئًا. كنت أحتفظ بها ككنز دفين، منتظرًا اللحظة المناسبة لتقديمها.
ويوم ظهور نتائجها في الثانوية العامة وميلادها الثامن عشر، أخرجت الرسالة من مكانها السري. قدّمتها لها أمام العائلة، وكأنني أفتح معها نافذة إلى الماضي. لا يمكنني أن أنسى نظرتها عندما بدأت تقرأ.
توقفت عن القراءة للحظات، عيناها تملؤهما الدموع، وهي تقول:
“أبي… هل حقًا كتبت هذا لي قبل أن أولد؟”
كانت تلك اللحظة أشبه بسحر خالص. شعرت أن كل كلمة كتبتها منذ سنوات طويلة بدأت تنبض بالحياة من جديد. الجميع كان مذهولًا، كيف يمكن لرسالة كتبت منذ زمن أن تحرك هذا الكم من المشاعر؟
دهشة الحاضرين: قوة الكلمات عبر الزمن
أصدقائي،
لم تكن ابنتي وحدها من تأثر. عائلتي بأكملها عاشت دهشة تلك اللحظة. أدرك الجميع أن الكلمات ليست مجرد حروف تُكتب، بل جسر يصل بين القلوب مهما طالت المسافات.
أحدهم قال لي:
“كيف توقعت كل هذا؟ كيف استطعت أن تكتب شيئًا يتحدث عن اليوم وكأنك تعيشه؟”
فقلت: “لم أكن أتوقع… بل كنت أؤمن. كنت أؤمن أن الحب الصادق لا يُقاس بالزمن، وأن كل شعور حقيقي يحمل قوة تجعل كلماته خالدة.”
الخاتمة: دروس من الرسالة
تلك الرسالة لم تكن مجرد كلمات لابنتي. كانت وصية للعطاء، دروسًا للحياة، وأملًا متجددًا. تعلمت منها:
أن الحياة تصبح أجمل عندما نزرع بذور الحب في القلوب.
أن الكلمات يمكن أن تعبر كل الحواجز وتترك أثرًا لا يُنسى.
أن أمانينا وأحلامنا، مهما بدت بعيدة، يمكن أن تتحقق عندما نؤمن بها ونغرسها في من نحب.
واليوم أقول :
اكتبوا رسائلكم، شاركوا مشاعركم، دعوا جزءًا منكم يعيش في قلوب من تحبون، حتى وإن لم تروهم بعد.
راشد بن علي الحجري