مدونة جلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه – التي خطّها بيده، خلال زيارته لمدرسة السلطان فيصل بن تركي، تتعدى كونها مجرد كلماتٍ بروتوكولية، فهي رؤية قيادية عميقة تُجّسد فلسفةً عُمانية أصيلةً، تسعى لبناء الإنسان بوصفه الركيزة الأولى للتنمية!
هذه الكلمات التي وُلدت من روح القائد وأُلهمتْ من عُمق إيمانه بالشبابِ والتعليمِ، تحوّلتْ إلى وثيقةٍ وطنيةٍ تحمل رسالةً للجميع: أنّ المستقبل يصنعه العلم، ويضيئه الإبداع، ويُبنى بالعمل الجماعي المخلص!
فعندما يفتتح جلالته مدونته بالقول: :”سُررنا كثيراً بزيارة هذه المدرسة التي تحمل اسم سلطان فذ من سلاطين عمان”، فإن هذه الكلمات تتجاوز التعبير عن السرور لتغوص في عمق الارتباط التاريخي بين الأسماء والأفعال، فربط الماضي العريق لسلاطين عُمان، الذين بنوا ركائز المجد، بالحاضر الذي يُشع بالأمل؛ يعكسُ رؤيةً اِستثنائيةً لقيادةٍ تُدرك أن مسيرة النهضة هي امتداد ٌلجذور تضرب في عمق الأرض!
وكلمة “سررنا”، هي مفردة تشع منها الإيجابية فتعكس روح القائد المترعة بالأمل و التفاؤل..وربما تبدو هذه الكلمة في ظاهرها بسيطة، إلا أن جوهرها يحمل شهادة قيادية إنسانية، وتعبيرٌ صادق عن فرحة القائد الذي يُشارك شعبه الإنجاز، ويجعل من التقدم الذي يُحققه أبناؤه سعادةً شخصية يشعر بها! فاستخدام جلالته هذا التعبير، هو إعلانٌ ضمنيّ أنّ كل لبنة تُوضع في بناء الوطن تُشعره بالرضا والفخر، وهذا التواضع القيادي هو ما يمنح العمل الجماعي قوته.
وما يزيد هذا التعبير بُعداً، أنه لا يخاطب مؤسسةً كيانها منفصل، ولكنه يتوجه إلى “أسرة التعليم والإداريين” و”طلابها”، فهذه الدقة في الاختيار تؤكد الحرص على الشمولية في تظافر الجهود، فكل فرد في المنظومة له دور يُقدّر، وأن النجاح الحقيقي لا يمكن أن يترجم إلى واقع ملموس إلا من خلال بتبني العمل الجماعي كفلسفة حياة تتآلف من خلالها الأرواح و يتعاظم بها العطاء، وينعم بثمارها الإنسان الذي تنشد نهضتنا المتجددة سعادته.
ما أثار إعجابي في المدونة أيضاً هو وصف جلالته للمدرسة بأنها: “نموذج لما نطمح إليه لمستقبل التعليم في عمان”. هذا التصريح لا يُثني فقط على جهود المدرسة، بل يرسم بوضوح الرؤية التي يسعى لها جلالته و هو يجدد نهضة عُمان : تعليم يُكرس الإبداع، ويُحفّز الابتكار، ويربط الشباب بمهارات المستقبل؛ فالتعليم في هذه الرؤية هو الوسيلة الأهم لتجهيز أجيالٍ تحمل على عاتقها بناء الوطن ومواجهة تحديات العصر!
وتتجلى حكمة القيادة في تعبير جلالته بأنّ: “..فإنها تتطلب معرفة بعالم العصر من تقاناته وقدرته على استيعابها واستخدامها وتسخيرها”، لذا فهي رسالة تشير إلى أن التقدم يتحقق بالتفاعل مع أدوات العصر وتسخيرها لصالح الوطن، وأجزمُ أنها دعوة تتجاوز حدود المناهج الحالية ؛للعمل على بناء نظام تعليمي يُرّكز على البحثِ والابتكارِ كقوة ٍحقيقية تجعلنا في مُقدّمة الركب.
ولفتْ انتباهي كثيراً ذلك البعد الأبوي الدافئ؛ حين يقول جلالته: “نحن إذ نستبشر بما رأيناه…”. فكلمة “نستبشر” تزرع أملاً عميقاً في النفوس، إذْ ترتقي بالفرد ليكون جزءاً من هذا الإنجاز، ومؤشراً على أن القيادة الحقيقية هي غرس الطمأنينة وتحفيز الإصرار لدى الأجيال..
والختام المؤثر بدعاء جلالته : “فإننا نُقدّر ذلك لندعو الله أن يوفقكم جميعاً لما فيه خير عمان”. أجدهُ شخصياً بُعداً عظيماً من التواضع والتفويض الإلهي الذي يُذكّرنا أن العمل يبدأ بالسعي، ويُبارك بالدعاء.. ويقيناً أن النجاح بركة إلهية تُجعل للنيات الصادقة والعمل المخلص بإذن الله تعالى ثمارا تبهج الخاطر مهما طال الزمن.
إن مواصلة الاستمتاع بقراءة هذه المدونة يحتم التوقف عند الحضور البارز لصاحب السمو السيد بلعرب بن هيثم، الذي أضاف للزيارة بُعداً عميقاً؛ فوجوده بجانب الوالد القائد هو رمزٌ لاستمرارية النهج، وتجسيدٌ لرؤيةِ قيادة تُراهن على شبابها، ليس فقط في التعلم، بل في التمكين والمساهمة الحقيقية في مسيرة البناء.
ختاماً إن التعمق في قراءة هذه المدونة؛ يجعلني أُراهنُ أنن ما تحمله من رسائل و إن اِنبعث عبقها كريح خُزامى من ثرى مدرسة السلطان فيصل بن تركي؛ إلا أنها حتماً دعوة شاملة لكل مواطن عُماني ليكون جزءاً من مشروع وطني عظيم!
إنها وثيقة تُذكرنا أن عُمان تُبنى بسواعد أبنائها، وتُضاء بكلماتِ قائدها، وتُزهر برؤيةٍ تؤمن أن كل نجاح يبدأ بالحلم، ويكتمل بالعمل، و ها هو قائدنا حفظه الله يبشرنا في كل محطةِ إنجازٍ؛ أن رؤية عُمان ٢٠٤٠ وُجِدتْ من أجل إسعاد الإنسان العُماني، و سيحقّقها الإنسان العُماني؛ فحُبّ عُمان يجمعنا ، و للابتكار و الإبداع يشدّنا ، و للاعتزاز بهويتنا يرشدنا.. دمتم لنا جلالتكم قائداً ملهماً نقتفي خطاه.
د. رقية بنت حميد الوهايبية