عندما ترد مفردة القيادة إلى الذهن او يتم التحاور حولها بين الجلاس يعتقد الغالبية أنها تتعلق بقيادة الآخرين فقط ، و لكن مربط الفرس هو أن القيادة يجب أن تبدأ بقيادة الفرد منا لذاته إذ ما الجدوى من قيادة الآخرين عندما نقف عاجزين عن قيادة أنفسنا؟
إن القائد هو من يكون قدوة للآخرين و يجسد سلوكه مثالا ناجحا يقتدون به لتحقيق النجاح المنشود .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ماهي قيادة الذات ؟و كيف يمكن لكل منا القيام بها أم أنها حكرا على أحد دون سواه؟
قيادة الذات:
يعرف أندرو براينت احد المتخصصين في مجال القيادة الذاتية” أن قيادة الذات هي قدرة الفرد على التأثير على ذاته ايجابياً فيوجه أفكاره و مشاعره و سلوكة لتحقيق الأهداف التي رسمها و بات يسعى لتحقيقها.”
كما يتضح جليا من هذا التعريف فإن الفرد منا مطالب بالتأثير على نفسه بإيجابية و تحريك طاقاته و أفكاره و مشاعره و سلوكة بل تحويلها إلى وقود لترجمة هدفه المنشود إلى واقع ملموس.
لعلكم تتفقون معي أن مثل هذا الأمر يتطلب وجود رؤية لدى الفرد تحفزه على بدء الرحلة للوصول إلى وجهته المنشودة متخطيا العقبات و مروضا للتحديات و حافزا له يذكره بأن هناك ضوءا مشرقا عند نهاية النفق .
حديث مع أحد الزملاء:
حدثني أحد الزملاء شاكيا و قد دب اليأس الى نفسه قائلا يا أخي من وين تضربها عوجاء. احاول أنجح احاول أتغير و لكن كل اللي يحصل هو مجرد حماس في البدايه ثم سرعان ما يتلاشى بريق ذلك الحماس فأزداد حنقا و غضبا و الكلام لزميلي .أتساءل بداخلي لماذ ينجح من ينجح و أنا مكانك سر ! لا أراوح مكاني و لا أتقدم قيد انملة بل بت أجزم انه ليس هناك بشائر أمل تلوح في الأفق بأن نسائم النجاح ستهتدي إلي.
كنت منصتا لا أقاطعه حتى إنتهى من حديثه. ثم بادرته بسؤال فقلت له و ما الذي يجعلك تجزم بالفشل ؟ فاستطرد قائلا يا أخي عندي فريق في العمل و لكن لا يتفاعلون بشكل جدي. كل واحد منهم لديه مشكله . واحد لا يلتزم بساعات الدوام الرسمي و آخر لا يتقن ما تسنده إليه من أعمال و ثالثهم بات كاهله متعب من كثرة الأعمال فهو يغطي النقص الذي يحدث لتخاذل زملاءه عن اداء واجباتهم.
ماذا عنك أنت:
قلت له ماذا عنك ؟ قال أنا أشرف عليهم فما علي سوى ان استلم ما ينجزون. قلت له يعني تظل مكتوف اليد دون تدخل لمعالجة الأمر .
قلت له لماذا لا تبدأ بنفسك في الطريق لحل هذه المشكلة. قال لي كيف أبدأ بنفسي ؟
قلت له ضع لنفسك هدفا واضحا و كن القدوة لفريقك من خلال قيادتك لنفسك اولا ثم سينعكس ذلك تلقائيا على فريق عملك ؟رد علي عندما تقود فأنت تقود فريقا لا تقود نفسك . قلت له محاورا و كيف سيثق بك الفريق و أنت يائسا؟ تقف مكتوف اليد لا يسمعون منك سوى الشكوى و هم بأمس الحاجة إلى ا التفهم و التعاطف و التحفيز ؟
نظر إليّ كمن وجد ضالته في صحراء طال مشيه و هو يبحث عنها و قال إذا تنصح بقيادة ذاتي اولا. رددت نعم فقال طيب و لكن كيف أبدا في هذا ؟
قيادتك لذاتك:
قلت اولا يجب أن يكون لديك هدفا جليا يحفزك للسعي وراءه و بذل الجهد لتحقيقه. هدف تعرف لماذا تود أن تحققه فإذا عرف السبب بطل العجب و كرست الطاقات لتحقيقه. عليك أن تعلم ان الدرب ليس مفروشا بالورد و ان الطريق لن يكون سالكا في كل الأحيان فلا تيأس بل واصل.كما أنك ستواجه الكثير من الأفكار السلبية فلا ترضخ لها بل تحاور مع نفسك بنبرة تحفيزية مكررا لها أن ما لا يقتلك يزدك قوة. نبرة الواثق من نفسه بعد ثقته بربه. حفز نفسك قائلا أنا أقدر ، أنا أستطيع و كلها مسألة وقت و ستشرق الشمس لتنير حياتك .
لربما تواجهك تحديات كثيرة مثل قلة الموارد او الأفكار السلبية بأنك لن تنجح و قد يخيل لك بأن عدم تحقيقك لأمر ما فشلا و لكن سيكون فشلا إذا سمحت لنفسك بالتفكير به كفشل فقط. يقول نيلسون مانديلا ” أنا لا أخسر أبدا فإما أن أنتصر او أتعلم”. فما تطلق عليه فشلا ما هو إلا محطة تعلم تعدك إلى نجاحات كبرى ، فقط واصل الطريق و احتفي باللحظة.
فهكذا يا أخي عندما تنقي الأفكار من الشوائب و الشكوك و الحث على جلد الذات ، و تضبط المشاعر من خلال عدم الرضوخ للسلبي منها و وترويض نفسك على رؤية الأمور من منظورها الشمولي و السعي لتجديد العزم والعمل الدؤوب و أن تسخر وقتك و مواردك لتحقيق هدفك ستراه يقترب منك و ستنتعش طاقتك و يتجدد شغفك و ستواصل السير. هيا لا تدع التحديات تعيقك حتى تصل خط النهاية ببسمة الإنجاز العريضة التي ستعزز في نفسك الثقة لمواصلة نجاحاتك و تميزك.
كان زميلي يستمع بتركيز و فجأةً رفع رأسه و نظر إلي قائلا اااها فهمتك. اعتقد أنني عرفت السبب جيدا. فعلا لا بد لي من البدء بقيادة ذاتي اولا فزرع القدوة الطيبة و الأثر الإيجابي له عدوى إيجابية ستسري بين أعضاء الفريق بسرعة. ستكون رسالتي لهم جميعا إبدأ بقيادة ذاتك اولا.
د. صالح بن عبدالله الخمياسي