اشتهر لدينا أنَّ المهرجانات والفعاليات المُهمة التي تستمر لأشهر تُكلِّف الدولة مبالغ مالية، والحقيقة التي يغفل عنها كثيرون أنَّ مثل هذه المصروفات ليست خسائر كما يتوهم البعض؛ لأنها دُفعت لأسباب منطقية ولحاجة ماسّة كالترفيه والتعليم والتثقيف والتوعية والترويج والتسويق، وغيرها من الأمور التي يستفيد منها المجتمع، وتُفيد الدولة في جوانب مختلفة كالسياحة والتجارة والاقتصاد والاستثمار وترسيخ الهوية الوطنية.. هكذا هو الوضع في مهرجان صحار الأول والثاني، الذي كانت مصروفاته أكبر من إيراداته، لكن النسخة الثالثة من المهرجان جاءت لتحقق الهدف المنشود بأن يكون المهرجان وجهة يسعد بها الجميع، وفي نفس الوقت يُحقق إيرادات وعوائد للمحافظة.
وتتعدد مصادر الإيرادات لمهرجان صحار الثالث والتي أُعلن عنها في مؤتمر صحفي سابق؛ حيث تعتمد بشكل رئيسي على الرعايات التي تُقدمها مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة والتي تحقق عوائد وأرباحاً نظير هذه الرعاية، إضافة إلى الإيجارات الخاصة بالمطاعم والمقاهي والمعارض الاستهلاكية (البازار) وتذاكر الدخول للمهرجان وغيرها من الإيرادات، والتي تُشكِّل العمود الفقري لتمويل المهرجان، مما يتيح له الاستمرار في تقديم فعالياته المتنوعة.
والرعاية من قبل المؤسسات المختلفة تعتبر من أهم مصادر الإيرادات، حيث تسعى العديد من المؤسسات إلى دعم الفعاليات والترويج عن أسمها من خلال وجود شعارها واسمها في مختلف المواقع والمنشورات وغيرها، وهذا الدعم لا يقتصر فقط على الجانب المالي، بل يمتد إلى تقديم الخدمات والمنتجات التي تعزز من تجربة الزوار، كما إن مشاركة المؤسسات في المهرجان تعكس التزامها بالمساهمة في تنمية المجتمع المحلي.
أما بالنسبة للإيجارات، فإنَّ المهرجان يوفر فرصًا للمطاعم والمقاهي والبازار لعرض منتجاتهم وخدماتهم؛ مما يساهم في زيادة إيراداتهم، وهذه الإيجارات تعدر مصدر دخل إضافي للمهرجان؛ حيث يتم تخصيص جزء من هذه الإيرادات لتغطية المصروفات، وتذاكر الدخول للمهرجان تسهم أيضًا بدور مُهِم في تحقيق الإيرادات، إذ إنها بجانب كونها وسيلة لتنظيم دخول الزوار، فإنِّها تساعد في توفير موارد مالية إضافية تساهم في تغطية تكاليف الفعاليات.
وعلى الرغم من الإيرادات المتنوعة، إلّا أن تنظيم مهرجان صحار الثالث يتطلب مصروفات كبيرة، أبرزها المصروفات التي تُحقِّق هدف المهرجان الأساسي وهو تشغيل أكثر من 160 باحثاً عن عمل بصفة مؤقتة وتخصيص مبالغ مالية كبيرة لذلك، وتجهيز أكشاك بالمجان للأسر المُنتِجة طوال فترة المهرجان؛ ليكون لهم دخل إضافي في أيام المهرجان. وتشمل هذه المصروفات تجهيز المسرح الرئيسي والمدرجات التابعة له، وتجهيز أرض المهرجان بمركز صحار الترفيهي إلى جانب تجهيز الأكشاك والمواقع الخاصة بالمطاعم والمقاهي والتي يتم تأجيرها فيما بعد، إلى جانب مصاريف إقامة القرى التراثية (الزراعية والبدوية والساحلية) بكل تفاصيلها، والتي تعد من المصروفات ومن العناصر الأساسية التي تضيف قيمة للمهرجان؛ حيث يتم تخصيص مساحات لعرض الفنون والحرف اليدوية؛ مما يُعزز من تجربة الزوار ويشجع على التفاعل مع الثقافة المحلية، وتتيح للزوار التعرف على التراث الثقافي للمنطقة، كما تتطلب مصاريف المسرحين الصغير والرئيسي تجهيزات فنية وتقنية مُتقدمة وفعاليات متنوعة، مما يزيد من تكلفة التنظيم، وهذه التجهيزات والترتيبات التي تحتاج إلى مصاريف كبيرة تعتبر ضرورية لضمان تقديم تجربة مميزة للزوار، وهنا تقع المسؤولية الكبيرة؛ حيث يتطلب الأمر تخطيطًا دقيقًا لضمان تحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات.
إنَّ القدرة على تحقيق عوائد اقتصادية توازي المصروفات تعتمد على التخطيط الجيد والتنظيم الفعال، لذا كان القائمون على مهرجان صحار الثالث على دراية تامة بالاحتياجات المالية للمهرجان، وسعوا جاهدين لتأمين مصادر الإيرادات المتنوعة، ونجحوا حتى الآن في تحقيق الهدف الأهم المتمثل في التوازن بين المصروفات والإيرادات، ولقد كان لنجاح النسختين الأولى والثانية واستقطاب ما يقرب من مليون ونصف المليون زائر الأثر الكبير في ثقة الجميع بهذا المهرجان، كما إنَّ الترويج الجيد للمهرجان يعد عنصرًا أساسيًا في جذب الزوار؛ حيث جرى استخدام وسائل الإعلام والتسويق الرقمي بشكل فعّال للوصول إلى أكبر عدد مُمكِن من الجمهور المُستهدَف.
إنَّ مهرجان صحار يمثل نموذجًا يُحتذى به في كيفية تحقيق عوائد اقتصادية توازي المصروفات من خلال تنويع مصادر الإيرادات والتخطيط الجيد للمصروفات، وبهذا يُمكن للمهرجان أن يستمر في تقديم فعاليات ثقافية مُميَّزة تُعزِّز من الهوية الثقافية وتساهم في تنمية الاقتصاد المحلي. ونجاح مهرجان صحار يعتمد على التعاون بين جميع الأطراف المعنية؛ بما في ذلك شركات القطاع الخاص، والمؤسسات الحكومية، والمجتمع المحلي، من أجل أن يُحقِّق أهدافه الاقتصادية والثقافية.
ودُمتم ودامت عُمان بخيرٍ.
د. خالد بن علي الخوالدي