عِندَما انطلقتْ الشَّرفِ والكرامة في السَّابع من أكتوبر 2023م في سياقِ حربِ التَّحريرِ الأخيرة والَّتي بدأتْ بمعركةِ طوفانِ الأقصى، كانتْ ضربةً تاريخيَّة تعرَّضتْ لهَا الصهيونيَّة الَّتي لم تَعْتَدْ مهاجمتها في قواعدها ومستوطناتها المُحتلَّة وذلك منذُ وُجِدَ الاحتلال على أرضِ فلسطين.. هذه الغارة الكبرى في تاريخ الأُمَّة الحديث كان لهَا ما بعدَها. ورغم ما تعرَّضَ له الأبرياءُ في قِطاعِ غزَّة من عدوانٍ همجي لا أخلاقي استهدفَ المَدَنيِّين من أطفالٍ ونساء شمل الشَّجر والحجَر إلَّا أنَّ أولئك المؤمنين الصَّابرين الَّذين طبَّقوا أمْرَ الله ومَن يتشاركُ معهم تلك المشاعرَ الإيمانيَّة كانوا واثقين من نصرة الله لعباده المجاهدِين الصَّابرِين وهكذا بعد مُضي أربعة عشر شهرًا من معركةِ طوفانِ الأقصى لم يستطعِ العدوُّ الصهيوني إنهاءَ تلك المعركةِ لصالحِه حسب الاستراتيجيَّاتِ العسكريَّة، إذ ما زال الأسرَى والمُحتجزِين الصَّهاينة في قبضةِ رِجالِ الطوفان، وما زالتِ المقاوَمةُ في قِطاع غزَّة فاعلةً في الميدانِ تواصلُ استهدافَ العدوِّ وتُكبِّدُه خسائرَ بشكلٍ يومي، وما زالتْ ملحمةُ الصُّمودِ الأسطوري لسكَّانِ القِطاع مستمرَّةً بتأييدِ الله القوي الجبَّار المنتصِر لم ينلِ العدوُّ مِنْها ولم يستطعْ تهجيرَ سكَّانِ القِطاع، وما زالَ العدوُّ المُجرِم يتجرَّعُ الخسائرَ ويعيشُ في حالةِ أزمةٍ داخليَّةٍ سياسيَّة عسكريَّة اقتصاديَّة اجتماعيَّة أمنيَّة انكشفتْ عَورتُه أمام شعوبِ العالَم الَّذين خرجوا في مختلفِ عواصمِ العالَم مُندِّدين بتلك الممارسات الإجراميَّة الصهيونيَّة، والأهمُّ من ذلك حدَثَ تغيُّر مُهمٌّ في مؤسَّسات المُجتمع الدّولي بأنَّ هذا العدوَّ المارقَ يمارسُ جريمةَ حربٍ ضدَّ الإنسانيَّة، وإبادة عرقيَّة في فلسطين ما أدَّى إلى إصدار مذكّرة احتجاز من قِبل الجنائيَّة الدّوليَّة على مُجرِمَي الحرب الصَّهيونيَّيْنِ (النتن ياهو) ووزير الحرب جالانت يضعُ حكومةَ اليمينِ الصهيوني المتطرِّف في حالةِ مَوتٍ سياسي، بل احتضار للمشروع الصهيوني تعجِّل مسارَ التَّاريخ للوعدِ الإلهي الَّذي بدأ يقترب .
حزبُ الله كان منذُ اليومِ الأوَّل الجهةَ الَّتي تجاوبتْ مع جبهةِ طوفانِ الأقصى فقدَّم عظيمَ التَّضحيات في سبيل نصرة غزَّة، كما انطلقتْ صواريخ الشَّرف والكرامة من اليمن الشَّقيق مُعلنةً وبكُلِّ اعتزازٍ مناصرةَ الأشقَّاء في فلسطين ولبنان، وقام أنصارُ الله في اليمن بمنعِ سُفنِ الكيانِ الغاصب وداعمِيه من المرورِ في البحرِ الأحمر وبابِ المندب مُشكِّلِينَ أهمَّ نقطة مقاوِمة لها ما بعدَها في ذاكرةِ النِّضال العربي الإسلامي، وكذا هو الحال انطلقتْ مُسيَّراتُ المقاوَمةِ من العراق لِتضيفَ جبهةً رابعة في وحدةِ السَّاحات؛ كُلُّ تلك الجبهات وضعتِ الكيانَ الصهيوني وحلفَ الشَّيطان في موقفٍ حرجٍ لم يسبقْ له مَثيل.. ورغم انتقالِ المعركةِ البَرِّيَّة باتِّجاهِ لبنان واستشهادِ قياداتِ حزبِ الله وحماس الَّذين صدَقوا ما عاهدُوا الله عَلَيْه فلم يتضعضعْ موقفُ المقاوَمةِ لِيثبتَ أولئك الرِّجالُ الأبطال ومِن خلْفِهم حواضنُهم الشَّعبيَّة أنَّه على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائم.. وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارمُ.
الهجمةُ الإرهابيَّة المباغتة لمجاميعِ الإرهاب في سوريا (حلب وإدلب وريف حماة) الَّتي حرَّكها المُشغِّل الصهيوني وبقيَّة أذنابِه وفقًا للمشروعِ الاستعماري الدّولي واضعًا خطَّته لقَطْعِ التَّواصُلِ بَيْنَ جبهاتِ المقاوَمة مُحرِّكًا جماعات الإرهاب «داعش والنصرة» وغيرهما من الأدوات الَّتي تُمنِّي النَّفْس بتحقيقِ انتصارٍ خارج سياقاتِ التَّاريخِ بعد فشلٍ طوالَ العشريَّةِ السَّوداء غابَ عَنْها أنَّ الرَّسْمَ البياني العالَمي يُشكِّل الآن انحناءةً تاريخيَّة في معادلاتِ القطبيَّةِ الدّوليَّة، وأنَّ الجيشَ العربي السُّوري وحلفاءه سيضعون تلك المجاميع الإرهابيَّة كما قال تميم التَّغلبي: «أرَى الموتَ بَيْنَ السَّيف والنطع كامنًا» لِيقدِّمها مُشغِّلو الإرهاب والصهيونيَّة لقمةً سائغة لضرباتِ الطيران السُّوري والرُّوسي وحلفاء محور المقاوَمة، وعمَّا قليل ستتلاشَى وتخفتُ نشوةُ المُرجِفِين المُتناغِمِين مع المشروعِ الصهيوني والامبريالي بسذاجةٍ منقطعةِ النَّظير .
ما حدَثَ في سوريا هو هجومٌ إرهابي مُدبَّر، وهو بمثابةِ فقَّاعةٍ ستنفجرُ في الهواء سرعانَ ما سيقضي عَلَيْها الجيش العربي السُّوري. فإذا كانتِ العشريَّة السَّوداء لم تفتَّ في عضدِ الدَّولة السُّوريَّة فكيفَ بمِثلِ هذه الهجمةِ الإرهابيَّة الَّتي جاءتْ في الوقتِ الضَّائع؟! ولا شكَّ أنَّ تلك القوى الرَّاعيةَ والدَّاعمة للهجمةِ الإرهابيَّة قد فتحتْ جبهةً سوف تنتهي قريبًا وخلال الأشهُرِ القليلةِ القادمة بالتَّخلُّص من كُلِّ جيوبِ الإرهابِ والخروج النِّهائي لقوَّاتِ الاحتلال الأميركي وغيرها من القوَّات غير الشَّرعيَّة من شرقِ الفراتِ والشَّمال الشَّرقي للدَّولة السُّوريَّة، وهُنَا لن يكُونَ أمام رعاةِ هذا المشروعِ الاستعماري إلَّا اتِّجاهان لا ثالثَ لَهُما إمَّا إشعالُ حربٍ عالَميَّة لعالَمٍ جديد ما بعد الأُمم المُتَّحدة، وإمَّا الرُّضوخُ للواقعِ الجديد الَّذي يفرضُ نَفْسه وإنَّ غدًا لناظرِه قريب .
خميس بن عبيد القطيطي