ينشد الكثير من الناس النصح و لكن هل لديهم الإستعداد للإصغاء لما يسدى لهم من نصائح ام أن غالبيتهم يقع في مصيدة اللامبالاة و الإصرار على إتباع أهواءهم فتذهب النصيحة سدى و يبقى طالبها مصرا على عدم العدول عن ما إعتاد عليه من سلوك.
تعد النصيحة من الوسائل التي يلجأ إليها الناس للحصول على معلومات تساندهم للوصول إلى القرار السليم بشأن ما ينشدونه من أمور حياتهم والإستفادة من رحيق تجارب الآخرين و الاستئناس بشذى حكمتهم في تقييم الأمور و السعي لتجنب اخطاء قد تكبدهم خسائر هم في غنى عنها.
إذ يلجأ الناس للحصول على النصيحة في أمر ما إلى أفراد عائلاتهم و أصدقاءهم، والمرشدون والموجهون المهنيون و ذوي الخبرة إضافة إلى المنتديات والمجموعات الحوارية و الكتب و المراجع و البحث عبر الإنترنت و توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتوفر لهم ذلك. لكن المفارقة أن الكثير منهم يقف عند هذا الحد و قد دفع مبالغ مالية للحصول عليها بعض الأحيان ، و من أمثلةً النصائح التي يتم تجاهلها و عدم التعامل معها بجدية التالي:
- نصح الآباء أبناءهم للإقلاع عن التدخين او عدم السهر لساعات طويلة.
- نصح المسؤولين لموظفيهم بالإلتزام بساعات العمل الرسمية و العمل على تحمل مسؤولية تطوير مستوى أداءهم و إتقانه.
-عدم الإكتراث بالنتائج التي يصل إليها الأفراد من خلال جلسات الكوتشنج مع موجهيهم. كحلول لما يواجههم من تحديات.
-نصح الأطباء لمرضاهم بضرورة تخفيض الوزن او عدم تناول نوعية معينة من الأطعمة حفاظا على صحتهم.
إن تجاهل الفرد لما يسدى له من نصح أمر يثير الحيرةً و يأجج الفضول لمعرفةً مبررات هذا السلوك و الضريبة التي يتكبدها هؤلاء لتجاهلهم لها.
تجاهل النصيحة:
فور حصول هؤلاء الناس على النصيحة تجد الغالبية منهم يضعونها في الرفوف فلا تجد دربا للعبور إلى شاطئ التنفيذ فيكون نصيبها التساهل و التسويق وًعدم الإكتراث بما اسدى لهم من نصح بالرغم من مبادرتهم في طلبها، و إدراكهم أنها تصب في مصلحتهم في المقام الأول. إن مثل هذا التصرف يصيبك بالتعجب و يأجج بداخلك الحيرة متسائلا عن سبب ذلك فكما يقال إذا عرف السبب بطل العجب.
تتفاوت أسباب تجاهل الناس للنصيحة فقد يعود ذلك إلى تمسكهم بارائهم الشخصيةً ، او عدم الثقة في من أسدى لهم النصيحة، او لإعتقادهم بعدم ملاءمة النصيحة للموضوع التي طلبت من أجله، او عدم الرغبة في التغيير و تحمل المسؤولية او التسويف و غياب خطة عمل لتنفيذها إلخ من قائمة الأسباب و الأعذار.
ضريبة لابد منها:
لا شك إن عدم الإكتراث بالنصيحة يحتم على صاحبها تكبد الضريبة المستحقة على تجاهلها و تتمثل هذه الضريبة في شعوره بالإحباط واليأس نظرا لاستمرار المشكلة و بقاءها دون حل ناهيك عن إحتمال فقدان فرص مهنية أو تقدم وظيفي او تكبد خسائر مالية جراء استمرار الهدر أو ضياع الفرص. في الوقت ذاته قد يعرضه تجاهل النصيحة إلى خسائر على النطاق الإجتماعي كتفاقم المشكلات الأسرية و الاجتماعية فضلا عن فوات فرص للنمو والتعلم وفي أحيان تطال هذه الضريبة صحته التي تتدهور .
الاستفادةً من النصيحة:
يقال أن العاقل طبيب نفسه، فهناك نصائح لا تقارن بثمن فهل يعقل تجاهلها. و نظرا لأهمية النصيحة ورد في الحديث أن الدين النصيحة فهي جزء من الدين و هي أمر واجب علينا في جميع مناحي الحياة لما فيه الخير و الصلاح.
للاستفادة من النصيحة، لا بد من وضوح الهدف من وراءها و الحرص على طلبها من المصدر المناسب و الإنصات الجيد لما يسدى من نصائح لفهمها و تقييمها بشكل نقدي و الحرص على تطبيقها متى ما تولدت القناعة بجدواها و ترجمتها إلى واقع ملموس يحقق الفائدة المرجوة.
هكذا لن يكون الأمر مجرد أن تنشد النصيحة و لا تكترث بتطبيقها بل الإنصات لها و فهمها ثم السعي لجني ثمارها.
د. صالح بن عبدالله الخمياسي