تميز تراثنا العُماني عبر تاريخه الطويل بتنوع روافده الزاخرة بالإبداعات التي تشكل تلاحما ثقافيا بين الماضي والحاضر وتجمع بين الأصالة والمعاصرة واكتسابها طابعا مميزا رغم انفتاحها على الآخر الذي ساهم في إثرائها عبر الالتقاء والنقاش والنقد البناء حول التجارب المختلفة من الجانبين ولم يعمل على محو هويتها نتيجة تمسك العُمانيين بإرثهم الفكري والثقافي.
ومن الوسائل الفعالة التي ساهمت في رسم الصورة المضيئة للسلطنة ونشرها حول العالم السفينة “شباب عمان” التابعة للبحرية السلطانية العُمانية التي كانت تجوب البحار شرقا وغربا شمالا وجنوبا وهي محملة بالسلام والمحبة ومد يد الصداقة والتعبير عن الاحترام للآخر.. من هنا استحقت عن جدارة أن تدرج في قائمة أفضل ممارسات الصون للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” وهو ما يعد إنجازا عظيما تسجله السلطنة بأحرف من نور.. بجانب إدراج ملف الحناء في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي كملف عربي مشترك في الممارسات الجمالية والاجتماعية.
إن السفينة “شباب عُمان” كما أنها تجسد الماضي التليد بما يحمله من إبداعات الأجداد فإنها أيضا تعكس الحاضر المشرق بما يتضمنه من إنجازات الأبناء.. وكما تزخر كتب التاريخ العربي والإسلامي بل والعالمي بالكثير من مغامرات العُمانيين البحرية وارتيادهم لأعالي البحار منذ أكثر من 4 آلاف سنة قبل الميلاد ودورهم البارز في اكتشاف العديد من الطرق البحرية المختصرة كرأس الرجاء الصالح والأراضي الجديدة وتبادل السلع التجارية المختلفة بين الشرق والغرب من الصين للهند وأفريقيا وغيرها من الأماكن ونقل ثقافات العرب والمسلمين لكافة أطراف الأرض.. فإن سفينة البحرية السلطانية “شباب عُمان” رفعت راية بلادنا خفاقة عالية عندما أحرزت الكثير والكثير من الجوائز في السباقات الدولية والفعاليات المختلفة التي كانت تشارك بها ليثبت أبناء عُمان الأوفياء أنهم خير خلف لأعظم سلف وأنهم استطاعوا حمل اللواء والأمانة التي تركها لهم الأجداد وكانوا على قدر المسئولية التي حملوها.
إن ما روجت له السفينة “شباب عُمان” لثقافتنا العُمانية ومبادئنا الأصيلة ودعوتنا الدائمة للسلام والمحبة والأمان والاستقرار أظهر الصورة الحضارية لبلادنا ووضح للشعوب المختلفة ما تزخر به السلطنة من تراث عريق بالإضافة إلى أنه كشف معالم النهضة العمرانية الحديثة والرفاهية التي يرفل في ثوبها الشعب العُماني الوفي وما تمتلكه البلاد من مقومات سياحية وتاريخية وطبيعية وعادات وتقاليد نفخر بها جميعا أمام العالم أجمع ذلك أن السفينة فتحت أبوابها للزائرين في كل ميناء حلت به لتعرض المقتنيات التراثية التي تسرد تاريخ بلادنا العريق إلى جانب مجموعة كبيرة من الصور التي تشرح مظاهر النهضة المباركة ومراحل تطورها في شتى المجالات.. وهو ما ساعد بكل تأكيد على توطيد علاقات المحبة وتعزيز روابط الصداقة والسلام بين الشعب العُماني الوفي وكافة الشعوب الأخرى.
إن كل عُماني كان يزهو بتراث أجدادنا يفخر الآن بإنجازات الأبناء الذين قدموا لبلادهم أعظم إنجاز ورفعوا هاماتنا للسماء وأثبتوا حرصهم على توثيق وصون تراثنا.. فكل الشكر لكل من ساهم في تحقيق هذا الإنجاز الذي سيسجله التاريخ بأحرف من نور.
ناصر بن سالم اليحمدي