الشقيقة سوريا في مفترق طرق.. إما السقوط وإما التقدم للأمام.. الأمر الآن أصبح بيد السوريين وحدهم.. فما قامت به القوى الثورية المسلحة من السيطرة على دمشق بل كامل الأراضي السورية بعد انسحاب الرئيس بشار الأسد ومغادرته البلاد كان محاولة لترجمة مطالب الشعب في تحقيق العدالة الاجتماعية.. وبالطبع هذا هدف نبيل ولكن للأسف صاحبه الفوضى العارمة التي أخذت في طريقها الأخضر واليابس بعد نهب وحرق وتخريب الكثير من الممتلكات الحكومية وهذا بالتأكيد ليس الهدف من الثورة.
لاشك أن القوى الثورية تعاني من التشويش في ظل الوضع الجديد نظرا لأنها تتلمس طريق الديمقراطية بخطى مرتجفة لم تعهدها من قبل لذلك فإنها بحاجة لبعض الوقت كي تستقر أمورها وتثبت خطاها.. وسوف يتأتى ذلك إذا وضعت نصب عينيها خطة واضحة وبرنامجا قويا ينهض بالدولة من الصفر.. لأن التركة التي ورثوها عبارة عن أنقاض مخوخة تحتاج للبناء من جديد.. فعليهم أن يدركوا أن إدارة الثورة أصعب من قيامها.. لاسيما وأن المتربصين كثر ويبحثون عن أي فرصة يفرضون من خلالها السيطرة والهيمنة على دولتهم تحت مزاعم شتى سواء بحجة نصرة الديمقراطية أو منح المساعدات المالية وغير ذلك من الأساليب التي ترمي لجعل الدولة تابعة لمن يدفع أكثر.
إن الكادحين من أبناء الشعب السوري الشقيق هم أصحاب الفضل في قيام تلك الثورة لذلك يجب أن يحصلوا على حقهم في الحياة الكريمة بعد الظلم والقمع والفقر الذي عانوا منه سنين طويلة فأحلام المواطن البسيط تتمثل في تأمين لقمة العيش والشعور بالأمان للحاضر والمستقبل لأن الجوع والخوف هما أسوأ ما يمكن أن يشعر به الإنسان.. من هنا على القوى الثورية العمل على تحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية والاقتصادية والحرية والاستقرار والأمان والكف عن التلاعب بأحلام البسطاء والتكويش على السلطة حتى لا يكون مصيرهم كأسلافهم في مزبلة التاريخ.
إن الخراب والدمار الذي يحل بسوريا يدمي القلوب قبل المآقي وليس في صالح هذا أو ذاك بل يخدم قوى معادية هدفها تفتيت الدولة ونشر الفوضى والحرب الأهلية والانفلات الأمني.. فهاهي إسرائيل تنتهز الفرصة وما أن انسحب الجيش السوري حتى توغلت لمسافة أكثر من 14 كليومترا داخل الأراضي السورية بحجة الحفاظ على أمنها وهي بذلك تسعى للاستيلاء على البلد الشقيق شيئا فشيئا لتحقق مأربها في توسيع حدودها لتشمل الشرق الأوسط الجديد من النيل للفرات.. فمن ناحية سوريا ومن ناحية ثانية فلسطين ومن ناحية ثالثة لبنان والبقية تأتي.
إن سوريا تحتاج الآن إلى الوحدة وتوحيد الصف وتغليب مصلحة البلاد العليا فوق كل مصالح وأن يسير جميع السوريين في اتجاه توحيد الرؤى ولم الشمل وليس تأجيج الصراع حتى لا يمنحوا الفرصة لأي قوى خارجية لفرض سيطرتها وهيمنتها في التعامل مع الأزمة لتثبت قدرتها وقوتها وبالتالي يتحول البلد المتناحر لساحة للصراع بغض النظر عن مصلحة السوريين أنفسهم مثلما حدث من قبل بين روسيا وأمريكا حيث انحازت الأولى للنظام وأيدته بينما انحازت الثانية للمعارضة ودعمته بالسلاح والمال ليتقاتل الأشقاء بالوكالة عن الدولتين المارقتين.. لذلك فإن الحوار البناء المثمر هو السبيل الوحيد للخروج من المأزق وهو ما يجب أن تتبناه جميع الأطراف التي ينبغي عليها تغليب العقل وتقييم الموقف بما يحفظ للبلاد وحدتها ويعيد لها قوتها وتماسكها وتعود سوريا كما عهدناها دائما جنة الله في أرضه.
ناصر بن سالم اليحمدي