يفاجئني بعضُ الأصدقاءِ بين آونةٍ وأخرى بالقول: “بعدين معاك، ألم تتعب…؟، كلّ يومٍ تكتب عن فلسطين والاستيطان والاستراتيجيّات الصهيونيّة، وعن تهويد القدس و..الخ”، فيكون ردي بمنتهى البساطة والوضوح والإيمان: أبدًا، هذهِ بلادنا وقضيّتنا ووجودنا وحقوقنا ومستقبلنا، ونحن في صراعٍ وجوديٍّ وجذريٍّ مفتوحٍ مع هذا المشروع الصهيوني، ورسالتنا ومهمتنا أن نكتب ونذكّر ونستحضر الحقائق والمعطيات، وسنبقى نكتب ونوثق ونحرض ولن نتعب أبدا، من أجل للقضية وللتاريخ وللأجيال وللذاكرة مع مداد من كتبوا لفلسطين بالدم، حتى تحرير الوطن المحتلّ.
فكلُّ ما يجري في غزة هاشم من حرب إبادية ضد اهلنا، وكل ما يجري في المدينة المقدّسة، بل وفي أنحاء فلسطين، ينبعُ عندهم في ادبياتهم الايديولوجية والسياسية من عمق النصوص التوراتيّة التي تدعو إلى “تطهير المكان- أي القدس- فلسطين”، لتغدو يهوديّة نقيّة بالكامل، بل هي حربُ تطهيرٍ عرقيٍّ بنصوصٍ دينيّةٍ سافرةٍ صريحةٍ مُزيّفةٍ للتاريخ وللحقائق، تقودها الجماعات الإرهابيّة المتطرّفة، فالمؤشّراتُ والمعطيّاتُ والتصريحاتُ والقراراتُ والإجراءات، كلّها تتحدّث عمّا هو آتٍ في المشهد الفلسطيني، في ذلك البعد الاحتلالي التهويدي، إذ يكاد لا يمضي يوم، أو ربما حتى ساعة، إلا ونتابع تصعيدًا احتلاليًّا في المدينة المقدّسة، أو في أي مكانٍ آخر في الضفّة الغربيّة، فوفق أحدث المعطيات، فإنّ البناء الاستيطانيّ في شرقي القدس يسجّلُ تصاعدًا مرعبًا هو الأعلى منذ عشر سنوات، وفيما تواصل سلطات الاحتلال استيطانها بالقدس في إطار مخطّطها التهويدي، تسعى جاهدةً لتهويد كلّ مكوّنات المدينة العربيّة حتى وصل الأمر لتهويد أسماء شوارعها وطرقاتها وأزقتها، وتسعى سلطات الاحتلال إلى استبدال الأسماء العربيّة لتلك الشوارع والطرقات بأسماء يهوديّة، مثل شلومو وشامير وبنيامين وغيرها من الأسماء التي تأتي في إطار السعي لتهويد حتى تاريخ تلك المدينة التي تزخر بالتراث العربيّ الإسلاميّ، التي تعيش حاليًا حملةً إسرائيليّةً شاملةً لتهويدها وطمس معالمها الإسلاميّة والعربيّة.
ففي أقرب وأخطر تطوّرات المشهد المقدسيّ، يدعو اليمين الإسرائيلي المتطرّف بقيادة الثلاثي نتنياهو-بن غفير-سموترتش للسيطرة على الحرم القدسي، ويقوم نشطاؤه بتوزيع ملصقاتٍ “تحريضيّة”، كتب فيها: “يجب تطهير جبل الهيكل من أعداء إسرائيل”، وجاء في نص الملصقات المنشورة: “دعونا نطهر هذا المكان من أعداء إسرائيل الذين سلبوا الأرض و دعونا نبني المعبد على أنقاض المساجد ويجب أن لا تخافوا”.
وخلاصة الخلاصة هنا اننا في اشتباك وصراع وجودي وجذري مع الاحتلال والمشروع الصهيوني، وعليه، سأبقى أكتب وأكتب وأكتب وأوثق واحرض ولن أتعب ابدا:عن القضيّة للأجيال الطالعة، دون كللٍ أو تراجع، فهذا عهدنا مع غسان كنفاني الذي هو شهيد كتابة الوجع والأمل الفلسطيني وبشارتها نحو دحر الصهيونيّة والاستعمار، على طريق تحقيق الحريّة والعودة والاستقلال والوحدة العربيّة.
نواف الزرو