نظرت اليه فإذا به مطأطأ رأسه تلفه سحابة من الحزن على غير عادته. تسألت مع نفسي ترى ما الذي ألم به. إين إختفت إبتسامته و روح دعابته المعتادة. جال بخاطري ألف سؤال و سؤال. هل تشاجر مع احد؟ هل تقدم بطلب ما فقوبل بالرفض ؟ هل حصل على تقييم اداء غير مناسب له؟ هكذا إستمرت “هل” تمطر ذهني سعيا لفك شفرة منظر وجه زميلي سعيد و لكن دون جدوىً، فآثرت أن أحصل على الإجابة من فم الحصان كما يقال لكي أقطع الشك باليقين.
سأعرف السبب ليبطل العجب:
إقتربت منه فبادرته بالسلام ثم أردفت سلامات سعيد عسى ما شر اراك حزين . نظر إلي و المفردات متجمدة في فمه لا يعرف ماذا يقول. أخذ نفسا عميقا و قال يا أخي أنا في ورطه .رددت مندهشا ورطة خير إن شاء الله.
فأخذ يسرد لي ما أهمه. يا أخي ورطوني. طلبوا مني أن اقدم عرض أمام المدير العام لمدة نصف ساعه. أنا خذ مني كل شئ بس لا تقول لي قدم عرض. أنا مستعد ان اجمع البيانات و أجهز محتوى العرض كاملا و لكن لا تقول لي قدمه. تصدق بدأت أشعر بالحمى .نبضات قلبي تتراقص من التوتر .اشعر بالارتباك من الان، و اعرف نفسي حتى النوم ما بنام و أنا مرتاح. كل الأعذار اللي قدمتها لم تشفع لي فشعرت بأنهم يتآمرون علي و مصرين على إحراجي أمام المدير العام. سأحضر لهم إجازة مرضيه و أجعلهم في الأمر الواقع و هكذا سيتم توجيه أحدهم لتقديم العرض، أما أنا فمستحيل .
سرح مع خياله برهة، ثم قال تصدق بسبب كرهي و خوفي من هذا الأمر. ضيعت الكثير من الفرص. إعلانات الوظائف أشوفهم أمام عيني و لا أتقدم لها بسبب الخوف من التحدث أمام الناس. لقد ضيعت العديد من الفرص الوظيفية التي تنطبق علي شروطها.لذا ظل راتبي لا يتحرك ، و أنا أرى زملائي ، حتى من جاء منهم بعدي يرتقوا السلم الوظيفي و أنا لا زلت في منطقة الأمان أعمل بذات الوظيفة.
اعرف تفاصيلها ، قادر على إيجاد حلول مبدعة لتحدياتها. الكل يدرك ذلك كما يدركون ان تقديم العروض هو الوحش الكاسر الذي يكبلني و يجعل القلق و التوتر يجريان في شراييني فالخوف يكبلني و يسلبني سعادتي و يعيقني من تحقيق أحلامي.
لن أكررها ثانية :
ذات مره قدمت عرض امام زملائي و لازلت أتذكر تسارع دقات قلبي، و ذلك الجفاف في حلقي ، و صوتي المرتبك الذي كان يهتز كسيف العازي . اما العرق فقد جمد جسمي كما يجمده الإستحمام بالماء البارد ، رأيت تلك النظرة السلبية على وجوه الحضور و أدركت أنني فشلت فأقسمت بأن لا أعرض نفسي لتلك المهزلة مدى الحياة.
نظرت إليه محاولا تهدئته . لا عليك يا سعيد ، لست الوحيد الذي يعاني من هذا الأمر . إن هذه الرهبة تعرف ب “الجلاسوفوبيا” يعاني منها الكير من الناس عبر العالم فهي تحيل دون تمكينهم من أداء وظيفتهم أو تحقيق أهدافهم الشخصية والمهنية وًتجعلهم مسلوبي الإرادة تصيبهم الحسرة و هم يرون الأيام تتطاير من أمامهم و هم عاجزين عن تحقيق أحلامهم.
و لكن يا سعيد تذكر لكي تجيد السباحه لابد ان تمارس السباحة رويدا رويدا حتى تتقنها. دعني أذكرك ببداياتك و أنت تتعلم السياقة كيف كان الأمر ،هل منحت رخصة القيادة من أول يوم. نظر ألي و قال صحيح. قلت و قدرتك على تقديم العرض يتطلب منك المحاولة مرات حتى تتقن الأمر. رد قائلا أعرف و لكن يا أخي الخوف يكبلني فهل ستسعفني؟
أشعر بالخوف وأمضي قدما :
إلى متى سيظل يكبلك؟ عليك أن تشعر بالخوف و أن تواجه ما تخشاه و ترهبه. هكذا ستتحول محنتك إلى منحة فالسفن تطل في أمان و هي ترسو على الشاطئ و لكنها لم تصنع لتقف على الشاطئ. تخلى عن اللغة السلبية التي تخاطب بها عقلك ، فعوضا عن تكرار لا أستطيع قل أستطيع و متى همست لك نفسك بأنك غير قادر ذكرها بأنك قادر بل ستواجه ما تخشاه و تتميز. أخرج زفرة طويلة و نظر إلي و قال ” اللي رجله في الماء غير عن اللي رجله في النار. أنا و ين و أنت وين معقول بهذه البساطة.”
قلت له هون عليك. غير العدسة التي تنظر من خلالها للفشل ستجده محطة للتعلم. تذكر ان كل الناجحين مروا من هذه البوابة. انظر إليه بإيجابيةً و استخلص منه الدروس و العبر لتقودك الى نجاحات عظيمه.
هيا إبدأ العمل. يقال ان الفشل في التخطيط هو تخطيط للفشل لذا إبدأ في إعداد محتوى العرض و بادر في التدرب عليه مرارا و تكرارا. يقول الفيلسوف اليوناني أرسطو ” نحن نتاج ما نمارسه مرارا و تكرار …فالتميز عادة”.
إن التدرب و الإعداد الجيد سيجعلانك ملما بما ستتحدث عنه ، هكذا سيتبدّد التوتر عنك و ستدب الثقة بداخلك . إبعد عن التصنع و لا تتقمص أسلوب ليس أسلوبك بل إحرص على الاداء بأسلوبك أنت. في اليوم المحدد للعرض إذهب الى القاعةً باكرا و تدرب على تقديم العرض مع زميلك .تأقلم مع المكان و تخيل جمهورك ، فهم زملاء جاءوا لتشجيعك و الإحتفاء بنجاحك ، و ما أن يحين الوقت المحدد للعرض توجه إلى المنصة بحماس. تنفس بعمق و كرر أنا قادر على التميز بإذن الله ، و ستتفاجأ بما سترى من تصفيق حار احتفاءا بنجاحك. بعد الإنتهاء من تقديم العرض سجل نقاط التحسين للمرات القادمه، و إعمل على اقتناص كل فرصه يطلب منك فيها تقديم العروض، و إحرص على الاستفادة من تجارب الآخرين و قصص نجاحهم. كرس جهدك لكي يصبح التواصل الفعال من المهارات التي تميزك . فهي مهارة تتربع بطاقة الوصف الوظيفي لكافة الوظائف و مطلب يحقق لك جودة الحياه و يمدك بحلول مبدعة لما يعترضك من تحديات. نظر إلي ثم قال سأتبع هذه النصائح القيمة التي أشكرك عليها.
سألته سعيد لماذا لا تلتحق ببرنامج التوستماسترز فهو من البرامج التعليمية المميزة التي ستساعدك على التصالح مع الخوف و بناء الثقة و صقل مهارات التواصل و القيادة لديك ، بادر بالإنضمام إليه. نظرت إليه فإذا بتعابير و جه قد تغيرت و بات ينظر إلى الأمر دون تهويل و مبالغة. أخذ يخاطب عقله بلغة محفزة و ينتقي المفردات الإيجابية و قرر أن يواجه ما يخشى منه و أن لا يظل عالقا في منطقة الأمان.
و دعته قائلا عندما تهمس لك نفسك قائلة
الخوف يكبلني من سيسعفني؟ تذكر قول الشاعر :
وتحسب أنك جـِرمٌ صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر
هيا إنهض ، و بادر في قيادة ذاتك إلى فضاءات أرحب من التميز ، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
د. صالح بن عبدالله الخمياسي / باحث و مدرب و كوتش في مجال القيادة الذاتية