من المعروف أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زار سوريا، ويعتزم الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه الذهاب إلى دمشق قريباً، وبعد تغيير السلطة في البلاد، استأنفت السفارة التركية عملها في العاصمة السورية بعد 12 عاماً.
وتسعى أنقرة إلى أن تصبح اللاعب الرئيسي في سوريا وتحتل المكانة التي كانت تابعة لموسكو وطهران، ومع ذلك، تحاول الولايات المتحدة ومعها الكيان الصهيوني منع البلاد من التحول إلى نقطة انطلاق استراتيجية لتركيا.
وقال وزير الخارجية هاكان فيدان في مؤتمر صحفي عقب اجتماعه في دمشق مع رئيس السلطات السورية الجديدة – رئيس الحكومة السورية، إن “رفع العقوبات عن سوريا مهم للغاية لتطبيع الوضع في سوريا وضمان الأمن في البلاد”، ودعا المجتمع الدولي إلى تقديم دعم قوي للحكومة الجديدة، مضيفا أن “الشعب التركي والدولة التركية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيكونون دائما مع سوريا”.
وقبيل زيارة هاكان فيدان، وصل رئيس مديرية المخابرات الوطنية التركية، إبراهيم كالن، إلى دمشق، واستأنفت السفارة التركية في سوريا عملها بعد انقطاع دام 12 عاماً، ولم يستبعد وزير الخارجية التركي إمكانية تنفيذ عملية ضد قوات الدفاع الشعبي (قسد) التي تتهمها تركيا بالارتباط بحزب العمال الكردستاني المعترف به كإرهابي في الجمهورية، ووفقا له، “كل ما هو ضروري سيتم القيام به”، وأضاف: «هناك الآن إدارة جديدة في سوريا، وآمل أن تحل هذه القضية. هذه هي الطريقة المفضلة، لكن إذا لم يحدث ذلك، فبالطبع سيتعين علينا حماية أمننا”.
من هنا، تعزز موقف تركيا في سوريا من خلال حقيقة أن أسعد حسن الشيباني، الذي عاش في تركيا حتى عام 2024، أصبح وزير الخارجية الجديد لسوريا، بل إن وزير الدفاع التركي ياشار جولر، في حديثه في اجتماع للبرلمان التركي، وصف المواطنين السوريين بأنهم أبناء بلده، وأضاف: “نعتقد أنه بفضل الأحداث المقبلة سيتمكن مواطنونا السوريون من العودة إلى أرضهم بأمان وكرامة”.
كما أدلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ببيان. كما وعد بزيارة دمشق قريبا، ملمحا إلى أن الجمهورية مستعدة لتولي دور الوصي على سوريا، ولدى عودته إلى تركيا بعد زيارة لمصر، تحدث الرئيس التركي عن ضرورة الإسراع برفع العقوبات عن سوريا وعودتها إلى المجتمع الدولي، معرباً عن أسفه للاقتصاد المدمر خلال فترة حكمه، سنوات الحرب ووضع برنامج للتحول المستقبلي لسوريا، بما في ذلك بناء النظام السياسي ووضع دستور شامل.
لكن أردوغان يعتبر أن مهمته الأساسية هي تحييد التنظيمات الإرهابية العاملة في سوريا وتشكل تهديدا على الحدود الجنوبية لتركيا، لكن هذا الأمر يعارضه الولايات المتحدة، التي لا تريد السماح لسوريا بأن تصبح نقطة انطلاق لتركيا، خاصة وأنه في اليوم السابق، طرح أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون لفرض عقوبات مناهضة لتركيا بسبب العملية العسكرية ضد القوات المسلحة الكردية، التي تدعمها واشنطن، ويؤكد مشروع القانون بشكل خاص أن أنقرة ملزمة بتنسيق خطواتها مع الولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه، أفادت صحيفة واشنطن بوست أن حرباً أهلية قد تندلع بين القوات الموالية لتركيا والقوات الكردية في سوريا، خاصة وأن أنقرة تحشد قواتها على طول الحدود السورية، وعلى هذه الخلفية، فإن أقرب حليف لواشنطن، تل أبيب، يحقق أيضاً طموحاته في سوريا، ويدعم الكيان الصهيوني الجيش الوطني السوري وتنفذ عملياته في المناطق الحدودية للدولة المجاورة، وبشكل عام، إن الكيان الصهيوني هو أكبر المستفيدين مما حصل في الشأن السوري من الناحية التكتيكية.
ورغم أن الأتراك تمكنوا من زرع هياكل موالية لهم في دمشق، لكن من المحتمل أن تستفيد قطر أيضاً من ذلك؛ فهناك بالفعل حديث عن استئناف مشروع مد خط أنابيب الغاز من قطر عبر الأراضي السورية ثم إلى تركيا، وبالتالي إلى أوروبا، وإذا تم تنفيذ هذا المشروع، فإن فكرة إنشاء مركز للغاز في تركيا ستكتسب بعداً إضافياً.
وبعد كل شيء، سيحاول الأتراك تركيز الغاز الروسي وآسيا الوسطى والقوقاز والقطري في أيديهم، كما أن الأتراك يضعون أنظارهم أيضاً على الغاز من شرق البحر الأبيض المتوسط، مثل حقول ليفياثان وليفياثان -2 وأفروديت قبالة الساحل القبرصي، بالإضافة إلى بعض حقول الغاز قبالة الساحل المصري.
ويقوم الكيان الصهيوني بدوره بتوسيع منطقة الاحتلال في سوريا، واحتمالات مغادرته تلك المناطق غامضة للغاية، لأن الصهاينة لا يذهبون إلى هناك ثم يغادرون.
أما من الناحية الاستراتيجية هناك تهديد كبير لتركيا يتمثل في الأمريكيين، الولايات المتحدة مصممة على تنفيذ المشروع الكردي المتمثل في إنشاء دولة كردستان المستقلة، وقد أجري استفتاء في كردستان العراق قبل عدة سنوات، وأعلن الأكراد السوريون عن إنشاء منطقة فيدرالية، ويؤكدون بقوة وقوفهم مع دمشق من أجل وحدة أراضي سوريا، لكن الوضع قد يتغير في أي لحظة، كما أن الدولة الكردية المستقبلية يجب أن تشمل أيضاً جزءاً من أراضي إيران وجزءاً كبيراً من أراضي تركيا.
بالتالي، يشكل المشروع الأمريكي تهديداً كبيراً لتركيا، وليس لدى الولايات المتحدة مكان تتعجل فيه، ويمكنها تنفيذه في غضون خمس أو عشر سنوات، وهذا المشروع يحظى بدعم الكيان الصهيوني الكامل، لأن إنشاء دولة كردية سيكون بمثابة ضربة قوية للعالم العربي والإسلامي.
لكن مدى قدرة تركيا على الصمود هو أمر يتعلق بالمستقبل، والشيء الرئيسي بالنسبة لروسيا الآن هو الحفاظ على قواعدها، خاصة أن المساومة جارية حالياً، لكن الصعوبات في هذا الصدد تضاف من قبل لاعبين آخرين بدأوا للتو في الإعلان عن وجودهم.
وهذا هو الاتحاد الأوروبي الذي اشترط استئناف العلاقات مع سوريا ورفع العقوبات عن البلاد بحقيقة أن دمشق يجب أن تطرد القواعد العسكرية الروسية وتنهي الوجود العسكري الروسي، كما أن المساومة مستمرة ومن الصعب التنبؤ بنتائجها النهائية.
بالشكل العام، يعتقد كثيرون أن تركيا أخذت سوريا بين يديها ولا تحاول التخلي عنها، وبنفس الوقت تشعر أنقرة الآن وكأنها هي الفائزة في الوضع، لأن ما كانت تنتظره طوال هذه السنوات قد حدث، والسيناريو المثالي بالنسبة لها هو الوضع الذي سيكون لها فيه وحدها تأثير في المنطقة، دون أنواع مختلفة من اللاعبين الخارجيين.
تركيا تجري الآن اتصالات نشطة مع المتنافسين الجدد على السلطة، على الرغم من أنهم بشكل عام موجودون منذ فترة طويلة، كما تشرف مع قطر، على المعارضة السورية منذ بداية الربيع العربي، لقد استثمرت روسيا الكثير في هذه المنطقة لدرجة أنها لا تستطيع أن تتنازل عنها لشخص، وكما قال الرئيس فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي، فإن سقوط بشار الأسد ليس هزيمة لروسيا؛ بل لديه أهداف استراتيجية أهم، ووجود القواعد العسكرية الروسية دليل على ذلك.
لكن المشكلة الرئيسية التي تواجه تركيا لا تكمن في القواعد الروسية بقدر ما تكمن في سياسة الولايات المتحدة، حليفة أنقرة في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وكذلك، الكيان الصهيوني المتحالف بشكل نشط مع واشنطن وتطالب بمرتفعات الجولان ومناطق كبيرة من الجمهورية العربية السورية، وسيحاولون الضغط على أنقرة وربما خلط الأوراق، لكن كل هذا سيتحدد مع استلام ترامب الشهر القادم لأن رسم الشرق الأوسط الجديد لن يكون إلى وفق الأهواء الأمريكية والصهيونية.
عبد العزيز بدر عبد الله القطان / كاتب ومفكر – الكويت.