البروتوكول والإتيكيت العُماني الحديث هو ليس من قَبيل المصادفة، وإنَّما يمتدُّ تاريخه إلى تاريخ أرض مجان وتراب وشَعب عُمان الأصيل، حيث البروتوكولات العشائريَّة والقبيلة النّموذجيَّة في تحقيق أفضل ما يكُونُ، وكذلك الإتيكيت العُماني الأصيل في الملابس والهندام الخارجي وفنّ المجاملة وإدارة الحديث (أخذ العلوم) من الصِّفات العريقة للمُجتمع العُماني المتجذِّر بعُمق التُّراب.. وغيرها من الصِّفات الجميلة العديدة.
التُّراث العُماني والعادات الأصيلة زاخرة بالبروتوكولات والإتيكيت المتعارف عَلَيْه، ومِنْها ما يُسمَّى اليوم بنظام الأسبقيَّة، حيث جميع شرائح المُجتمع العُماني من مسندم إلى أقصى صلالة يمتازون بصفة التَّفاني بموضوع الأسبقيَّة وتوجيب أو تفضيل (كبار السِّن، رؤساء القبائل، علماء الدِّين، رِجال الدَّولة، وكبار الشَّخصيَّات سواء في استقبال بالأعياد الرَّسميَّة أو المناسبات الاجتماعيَّة (أعراس، ملكة، خطوبة، مجلس العزاء.. وغيرها)، حيث يتمُّ جلوسهم بصدر المجلس بعيدًا عن المُسمَّى الوظيفي، بل يذهب المُجتمع العُماني بعاداته الكريمة إلى أبعد من ذلك، فإذا كان هناك ضيف أجنبي فيُعطى الأولويَّة بالجلوس في صدر الجلسة بعيدًا عن انتمائه الدِّيني أو السِّياسي أو العِرقي، وهذه من سِمات يمتاز بها المُجتمع العُماني منذُ الأزل بالتَّسامح الدِّيني مع جميع الأديان والمذاهب الرَّصينة، غير المتخندقة في التَّطرُّف الدِّيني والمذهبي المَقيت لِيظهرَ للعالَم أنَّ البَشَر لَهُم ربٌّ واحد مهما اختلفتِ الأديان والمُسمَّيات، وهذا لا نجدُه في كثير من البُلدانِ العربيَّة أو الإسلاميَّة.
دعونا نتعرَّف على مفاهيم البروتوكول والإتيكيت استنادًا إلى المعاجم الدبلوماسيَّة، وخصوصًا قاموس وقرآن الدبلوماسيِّين كما يعرفون (الدبلوماسيون) اتفاقيَّة فيينا عام 1961م وعام 1962م، حيث توضِّح الدبلوماسيَّة ومفاهيم البروتوكول والإتيكيت مختصرة على الكادر الوظيفي في وزارة الخارجيَّة فقط، والمناصب القياديَّة في الجهات الحكوميَّة في سبعينيَّات القرن الماضي، والمختصِّين في الكُلِّيات والمعاهد الدبلوماسيَّة والعلاقات العامَّة، أمَّا الآن فالجميع بحاجة إلى هذه المفاهيم ابتداءً من العائلة الَّتي هي نواة المُجتمع وصولًا إلى أعلى المناصب.
وتُعَدُّ مفاهيم البروتوكول والإتيكيت من أهمِّ جوانب فنِّ الدبلوماسيَّة، حيث كانتْ اتفاقيَّة فيينا للعلاقات الدبلوماسيَّة عام 1961م والاتفاقيَّات المُعدَّلة بعد ذلك، جاءتْ لِتوضحَ مهامَّ وامتيازاتِ السّلك الدبلوماسي والَّتي تمَّ تعديلها وتطويرها لِتشملَ جميع مفاصل الحكومة على مختلف أنواعها، حيث تمَّ دمجُ نظريَّات عِلم النَّفْس الاجتماعي مع عِلم الإدارة؛ لوضعِ أُسُس وسِمات الإتيكيت الحكومي ونواة الإتيكيت الاجتماعي والَّتي هدفها الأساس الإنتاجيَّة العالية والابتكارات الحديثة المتطوِّرة الَّتي تواكب الطَّفرة التكنولوجيَّة في الحياة. ويُعرف البروتوكول بأنَّه هو مجموعة من القواعد أو التَّوجيهات الَّتي تصدر من جهة عُليا وصولًا لِتَحقيقِ هدفٍ معيَّن في أغْلَبِ الأحيان شفهيَّة أو مكتوبة مستندًا إلى الاتفاقيَّات بَيْنَ الطرفين، والتَّقيُّد بها؛ لأنَّها مبنيَّة على أُسُس علميَّة وعمليَّة وتبادُل المصالح المشتركة في نَفْس الوقت، وهذا يعكس السُّلوك السَّليم تجاه البروتوكول المتَّفق عَلَيْه بَيْنَ الجانبَيْن ـ هذا ما يخصُّ الاتفاقيَّات ـ. أمَّا البروتوكول ـ على سبيل المثال ـ في الحفلات والعشاء الرَّسمي بمستوى كبار الشخصيَّات فيقصد به ارتداء الزيِّ الرَّسمي (VVIP) وأغْلَب الأحيان يُكتب في بطاقة الدَّعوة نَوْع الملابس وحتَّى اللَّون، إن كان حفل عشاء رسميًّا يُكتب على بطاقة الدَّعوة يُسمح بحملِ الأوسمة والنَّياشين، يعمَّم على البروتوكول بأنَّه عمومي ويُحسب له على أنَّه يتعلق بالإجراءات والتَّنظيم، وعلى أن يكُونَ الشَّخص في أعلى درجات التَّهذيب واللُّطف والمعرفة الكاملة بقِيمة الوقت في الحضور والانصراف. كان المغفور له بإذن الله تعالى السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ هو من وضعَ حجر الأساس للبروتوكول العُماني والَّذي نفتخر به أمام جميع المدارس الدبلوماسيَّة، وقد أضافَ جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ في بروتوكول استقبال كبار الشخصيَّات حين وضع الأزياء العُمانيَّة لجميع المحافظات على جانبَي مدخل قصَرِ العَلَمِ العامر للتَّعريف عن المكانة التَّاريخيَّة العريقة لإتيكيت الأزياء العُمانيَّة بعيدًا عن العباءة السَّوداء المتداولة في جميع مفردات الحياة. أمَّا فنُّ الإتيكيت فهو من أهمِّ عناصر الحياة المَدَنيَّة في عصرِنا الحديث، وتتبارَى المدارس الدبلوماسيَّة على اختلاف تصنيفِها، وخصوصًا الفرنسيَّة مِنْها، بوضعِ اللَّمسات الجميلة والهادئة والمميَّزة بفنِّ الإتيكيت، سواء للرَّجُل أو المرأة. والإتيكيت ـ كما هو معروف ـ هو السُّلوك المُهذَّب الرَّاقي للشَّخص أمام الآخرين، فليسَ من أخلاقنا أن نجلسَ ونضعَ (رِجْلًا فوقَ رِجْل) أمام الوالد والوالدة أو نرفعَ مستوى نبرة الصَّوت أو نأكلَ قَبلهم أو نتصرَّفَ دُونَ أخذِ الإذن مِنْهم، وإن كُنَّا متزوِّجِينَ ولدَيْنا عائلة وبَيْت مستقلٌّ هذا من التُّراث الأصيل لشَعبِنا العُماني منذُ الأزل وما يُسمَّى اليوم بالإتيكيت الاجتماعي.
د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت