التصريح الذي أدلى به الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، والذي اعتبر فيه أن «تركيا سيكون معها المفتاح للأحداث السورية»، يحمل دلالات مهمة من جانب ترامب لإيران، وبالتحديد من ناحية أنها أضحت قوة إقليمية شرق أوسطية لها اعتبارها، ومن ناحية دورها المستقبلي في سوريا على أنقاض أدوار قوى أخرى دولية وإقليمية وبالتحديد روسيا وإيران، لكنه يثير في ذات الوقت تساؤلات عن مستقبل العلاقات الأمريكية التركية عموماً، ومستقبل هذه العلاقات فيما يخص الشأن التركي في سوريا. هل سيزداد الوزن النسبي التركي في منظور الاستراتيجية الأمريكية الشرق أوسطية، وهل ستكون الرؤى والمواقف الأمريكية – التركية توافقية أم صدامية في سوريا؟
سبق لدونالد ترامب أن أعلن، عندما كان رئيساً في ولايته الأولى أنه كان ينوي سحب القوات الأمريكية من سوريا بعد اكتمال دورها في هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي. فهل ينوي ترامب سحب قواته من سوريا هذه المرة معتمداً على تنسيق أمريكي – تركي؟ وهل بعد ذبول النفوذ الروسي والإيراني في سوريا يمكن أن تترك واشنطن الساحة السورية؟ أم على العكس سيزداد الاندفاع الأمريكي نحو سوريا، ضمن إدراك استراتيجي أمريكي أن الظروف شرق الوسطية، أضحت مهيأة أكثر من أي وقت مضى لإعادة هندسة النظام الإقليمي الشرق أوسطي بعد النكسة التي أصابت كل من روسيا وإيران؟
التساؤلات بهذا الخصوص كثيرة، لكن تبقى «العقبة الكردية» حائلاً من دون دخول الدور الأمريكي في سوريا الجديدة في «شهر عسل» مع الحليف التركي. فالواضح أن تركيا، وعلى لسان كبار المسؤولين ابتداء من الرئيس رجب طيب أردوغان أو وزير خارجيته هاكان فيدان أو وزير دفاعه يشار غولر، عازمة على «اجتثاث» الوجود العسكري والنفوذ السياسي لما يعرف ب «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال شرق سوريا، حيث يتركز هذا النفوذ، وحيث توجد القوات الأمريكية.
فهل تصريح ترامب القائل بأن «تركيا تملك مفتاح الأحداث في سوريا» يعني أنه، وعندما يتولى السلطة مجدداً ابتداء من يوم 20 يناير/كانون الثاني المقبل سوف ينهي العلاقة مع الحلفاء الأكراد في سوريا لصالح عهد جديد من العلاقات الأمريكية – التركية، أم أنه سيكون مضطراً للصدام مع تركيا؟ وكيف سيكون الموقف الأمريكي من مشاكل علاقات الحلفاء الأكراد مع السلطات السورية الجديدة، في ظل الفجوة المتسعة بين قادة «قوات سوريا الديمقراطية» (الكردية) حول «سوريا الجديدة ومستقبل الأكراد فيها سياسياً وعسكرياً مع السلطات السورية الجديدة» بمن فيهم «جيش سوريا الحر» ذراع تركيا في تحالف المعارضة الذي أسقط نظام بشار الأسد مع «هيئة تحرير الشام».
من يتابع تصريحات كبار المسؤولين الأتراك حول «الحدث السوري الجلل» في مقدوره أن يتلمس أن تركيا تتحرك من منظور أنها «صاحبة كلمة عليا» في «سوريا الجديدة»، وأنها بقدر ما قامت به من أدوار مركزية ومحورية في إسقاط نظام بشار الأسد، فإنها سيكون لها الدور الأهم في هندسة معالم «سوريا الجديدة» سواء أكان على مستوى معالم النظام السياسي الجديد، أم على مستوى علاقات «سوريا الجديدة»، إقليمياً ودولياً، ومن ثم، فإنها لن تسمح للولايات المتحدة أن تفرض عليها ما يعرقل ما تعتبره أنقرة «العهد التركي» في سوريا.
التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي للصحفيين المرافقين له في رحلة عودته من القاهرة إلى أنقرة بعد مشاركته في قمة «مجموعة الثماني النامية»، أكدت كل هذه المعاني، ومن ثم، فإنها تكشف عن وجود تعقيدات حقيقية ستفرض نفسها على العلاقات التركية مع الولايات المتحدة بخصوص مجمل الشأن السوري الجديد، وخاصة مستقبل المعارضة الكردية التي تعد الحليف الأهم للولايات المتحدة في سوريا.
في هذه التصريحات، قال الرئيس أردوغان إن «الوقت حان للقضاء على المنظمات الإرهابية الموجودة في سوريا»، مشيراً إلى «ضرورة القضاء على «داعش» وحزب العمال الكردستاني التركي المعارض، و(قسد)».
وأكد أردوغان في هذه التصريحات أن «تركيا ستدعم القيادة السورية الجديدة في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية من أجل إقامة سوريا الجديدة آمنة ومستقرة» مضيفاً أنه «لا يعتقد أن أي قوة ستواصل العمل مع مثل هذه التنظيمات في سوريا بعد الآن»، في إشارة خاصة للولايات المتحدة التي تدعم وحدات سوريا الديمقراطية. وقال إن تركيا ستساعد الإدارة السورية الجديدة أيضاً في بناء «هيكل الدولة الجديدة وصياغة دستور جديد»
فرضية «الصدام» الأمريكي – التركي تبقى مرجحة وفقاً لهذه المواقف التركية المتشددة، فالمباحثات التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي في أنقرة مع نظيره التركي هاكان فيدان سيطر عليها ملفان أولهما مستقبل سوريا ما بعد بشار الأسد وثانيهما التباين بين تركيا وأمريكا حول مكافحة الإرهاب وبالتحديد مستقبل «قوات سوريا الديمقراطية» ووحداتها العسكرية، ما يعني أن الخلاف بين واشنطن وأنقرة أضحى مرحلاً لإدارة الرئيس الجديد المنتخب دونالد ترامب.
د. محمد السعيد إدريس