تهلل وجهه فرحا وهو يتلقى الخبر الذي ملأ قلبه بهجة وحبور. لقد تم اختياره للوظيفة بعد أن خضع لإجراءات التوظيف التي تكللت بهذا الخبر السعيد الذي أدى إلى اتفاق الطرفان على شروط التعيين وابرام عقد عمل ينظم العلاقة بينهما فأصبح فردا من أفراد المؤسسة تسري عليه قوانينها وسياساتها وإجراءاتها شأنه شأن الآخرين في مقر عمله.
لقد باتت تلك الوظيفة تذكرة دخوله إلى دهاليز العمل المؤسسي للتعرف على أسرار حراكه الإنساني بتعدده وتنوعه واختلاف ألوان طيفه، فأخذ يخطو خطواته الأولى محاولا فهم ثقافة العمل السائدة بالمؤسسة والتكيف في العمل جنب إلى جنب مع زملاءه وهو يؤدي الدور المنوط به. أصبح يتلمس خطاه وهو يتفاعل مع عالم مؤسسي وزعت فيه الاختصاصات والمسؤوليات والصلاحيات عبر الهيكل التنظيمي للمؤسسة فأخذ يتعرف على موقعه في هذا الهيكل ليفهم ماهية المساهمة المطلوبة منه وأهميتها في تمكين المؤسسة من تحقيق أهدافها.
تذكر أن موظف الموارد البشرية أخبره في الأسبوع التعريفي أن هناك بطاقة وصف وظيفي خاصة بوظيفته فأدرك ضرورة التمعن في بطاقة الوصف الوظيفي الخاصة بوظيفته. همس إلى نفسه لابد أن أحصل عليها وافهمها جيدا وأبادر في ممارسة المهام المحددة بها والسعي لإتقانها بمرور الأيام.
بينما كان ينقل نظره عبر ثنايا بطاقة الوصف الوظيفي تلك وجد بيانات الوظيفة وطبيعتها والغرض منها ومهامها ومسؤولياتها و بيانات خاصة بشروط شغلها و المهارات التي يجب إن يتمتع بها شاغلها والدرجة التي سكن عليها و نطاق الإشراف و من المسؤول المباشر الذي سيشرف عليه و موقع أداءها مكتبيا كان او ميدانيا و غيرها من التفاصيل الأخرى.
هناك من لا يكترث بها:
لكن من المؤسف أنه بالرغم من أهمية بطاقة الوصف الوظيفي، إلا أن هناك من لا يكترث بها ومنهم من يجاهرون بعدم اكتراثهم، فهي على حد قول أحدهم “إيش يعني تراها مجرد بطاقة”. يقولها بحس فكاهي وأسلوب ساخر ينم عن عدم اكتراثه بها. نظرت إلية باستغراب فسألته فعلا أنت تعتقد بأنها ليست مهمة. نظر إلى وكأن السؤال باغته فلم تسعفه الكلمات على الرد.
أخبرته إن بطاقة الوصف الوظيفي ليست مجرد بطاقة ولا يجب التعاطي معها بهذه البساطة و عدم الجدية فهي أداة إدارية أساسية تُستخدم لإدارة الموارد البشرية بفعالية و مستند قانوني يأطر العلاقة و يرسم حدودها بين الطرفين كما أنها صممت لأهداف تسعى المؤسسة لتحقيقها. كان ينصت إلى باهتمام ثم أردف قائلا مثل ماذا؟ نظرت إليه فلمست جدية سؤاله. قلت له مداعبا بشرط الغداء عليك هذه المرة. نظر إليّ بابتسامته المعتادة وقال أبشر والغنيمة فالك.
أهمية بطاقة الوصف الوظيفي:
قلت له إن أهمية بطاقة الوصف الوظيفي تكمن في فوائد عديدة منها:
- تعريف الموظف بموقع الوظيفة التي يشغلها عبر الهيكل التنظيمي للمؤسسة، فهي تحدد طبيعة عمل الوظيفة وموقعها ونطاق الإشراف ووضوح قنوات الاتصال
- تحدد المهام والمسؤوليات المسندة لشاغلها ليتسنى له فهمها وممارستها و إ تفانها و بالتالي لا تتداخل المهام و تكون المسؤولية و المسألة واضحة فلا يلقي الشخص اللوم بشأن إخفاقاته على غيرة.
- تعد حجر الزاويةً التي يرتكز عليها أداء الموظف وما يسند إليه من مؤشرات أداء في مطلع كل عام ويتم قياس مدى تحقيقه لها وفقا لنظام تقييم الأداء. إنها تستخدم كأحد الوسائل لتحديد الفجوة بين الاداء الفعلي للموظف والأداء المتوقع منه في إطار الجهود الرامية لتمكين المؤسسة من تحقيق خططها وإستراتيجيتها ورؤيتها المستقبلية.
- يستعان بها في تحديد ما يحتاج إليه الموظف من احتياجات تدريبية سلوكية كانت ام فنية والتي تهدف المؤسسة من ورائها إلى رفع مستوى اداء الموظفين وصقل مهاراتهم وقدرتهم على العمل بروح الفريق والتعاضد من أجل تعظيم الفوائد المحققة.
- تستخدم فيما يتعلق بإجراءات الاستقطاب والتوظيف، فضلا عن أنها مرجع يستعان به لتحديد المسارات المهنية ووضع خطط التعاقب لضمان تنمية صفوف قيادية ثانوية تضمن للمؤسسة تقليص المخاطر وضمان سير العمل.
- تعد بطاقة الوصف الوظيفي مرجعا قانونيا يستعان به لحل الخلافات وتحديد المسؤوليات والمحاسبة على الإخفاقات من قبل الموظفين فحريا بنا أن نوليها اهتمامنا.
نظرت إليه وهو يصغي لما سردته له باهتمام وسألته هل لا زلت تعتقد بأنها مجرد بطاقة. قال لا طبعا، ولكن حان وقت الغداء دعنا نذهب لتناوله ثم نواصل الحديث هناك فقد كسبت الرهان. قلت له باسما هيا بنا.
لابد من التحديث المستمر؛
بينما كنا نتناول الغداء أستطرد قائلا تعرف أنا لست الوحيد الذي ينظر إلى بطاقة الوصف الوظيفي بعدم اهتمام فلم يسبق أن شرحت لنا من قبل بمثل هذا التفصيل. إن الأمر يتطلب قيام دوائر الموارد البشرية بالمؤسسات على توعية الموظفين الجدد و من سبقهم على ضرورة فهم أهمية بطاقات الوصف الوظيفي لهم وللمؤسسة التي ينتمون إليها.
كما يتوجب عليها الحرص على تصميم بطاقة وصف وظيفي لكل وظيفة إن لم توجد بها بطاقات و صف وظيفي و العمل على تحديثها بالتنسيق مع الإدارات الأخرى وفقا لما يطرأ على بيئة العمل من مستجدات كمشاريع إعادة الهيكلة، والاندماج والاستحواذ ، او تقليص حجم القوى العاملة و ما ينجم عنه من استغناء عن بعض الوظائف و دمج مهامها مع وظائف أخرى و كذلك التفاعل مع توظيف التقنية و ما تفرزه عمليات التحول الرقمي و استخدامات الذكاء الاصطناعي من اختفاء وظائف معينة و ظهور أخرى جديدة تتماشى مع روح العصر مما يحتم التحديث المستمر.
خاتمة:
سألته هل يجدر بنا بعد كل هذا الإيضاح النظر إلىً بطاقة الوصف الوظيفي لوظائفنا كمجرد بطاقة أم أن الأمر يحتم علينا فهمها فهما جيدا وممارسةً المهام والمسؤوليات المحددة بها والحرص على إتقانها. هكذا سيتسنى لنا اكتساب خبرة عملية مبنية على فهم عميق وإتباع أفضل الممارسات عند التطبيق والسعي لمعرفة مسارنا الوظيفي والحرص على تطوير معارفنا وقدراتنا و صقل مهاراتنا من خلال تبني مبدأ التعلم المستمر.
د. صالح بن عبد الله الخمياسي
باحث ومدرب وكوتش في مجال القيادة الذاتية.