أصابتكم مَعَرَّة….. بِعِلْم
لا تزال آيات القرآن الكريم تتمثل وتتجلى على الأرض والجماعات المختلفة..
آخر هذه التجليات هي المعرة التي لحقت بالأنظمة الرسمية الإسلامية والعربية مؤخرا، في تعاطيها مع المقتلة التي تصيبهم وأهلهم في فلسطين وغزة.
حكى القرآن الكريم أنه في أوج قتال المؤمنين وأوج انتصارهم، طُلِبَ منهم الكفُّ عن القتال حتى لا تنالهم مَعرَّةٌ بغير علم أن يصيب مؤمنا أو مؤمنةً -ضمن بيئة عدوهم- منهم أذىً أو جرحٌ، فيقال: مؤمن تسبب في أذى مؤمن، أو ناله منه أو عن طريقه سوء
( وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا
(٢٤) هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡهَدۡيَ مَعۡكُوفًا أَن يَبۡلُغَ مَحِلَّهُۥۚ وَلَوۡلَا رِجَالٞ مُّؤۡمِنُونَ وَنِسَآءٞ مُّؤۡمِنَٰتٞ لَّمۡ تَعۡلَمُوهُمۡ أَن تَطَـُٔوهُمۡ فَتُصِيبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۖ لِّيُدۡخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ لَوۡ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبۡنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا
الفتح [24-24])
واليوم يتسبب النظام الرسمي العربي في وجهه الأسود الكالح بألف ألمٍ وألمٍ، ويصيبُه بذلك ألفُ معرة ومعرة بتخاذله المخزي والمذل، وتركه لأداء الواجب المنوط به قانونا وشرعا وأخلاقا وإنسانيةً وجوارا وثقةً ومعاهداتٍ ومباديءَ، ليلبسه في ذلك ألفُ ذلٍّ وذلٍّ، يتلحف به الحكام فمن يليهم من المسؤولين، عسكريين ومدنيين، كلٌّ على حجم مسؤوليته، وهم يلتهون عن الواجب بترفهم، ومهرجاناتهم، وكأس كرة أقدامهم، فكم من المعرة ستلاحقهم، وكم من الخزي سيطاردهم، وكم من العار سيركبهم، وكم من اللعنات ستحل عليهم، وكم من شهادة حق على حاضرهم الأسود المخزي سيسجلها التاريخ عليهم، فلا هم فازوا بعزة الماضي، ولا بكرامة الحاضر، ولا بشرف المستقبل، أمواتٌ غير أحياء، ولا يشعرون أيان يبعثون.
نعم أيها السادة.. تسببتم بتحويل أهلكم أشلاء في غزة وفلسطين ولبنان واليمن فأصابتكم معرةٌ بعلمٍ وسبق إصرار بتغافلكم عن أمريكا قرن الشيطان وعدو الإنسانية، فلا تزالون لم تحركوا قلما ضدها، ولا مذكرة اعتراض نحوها، فسفاراتها مشرعة، وحكومتها المجرمة الملطخة يدُها بدمائكم ودماء أطفالكم الأبرياء تجوب شوارعكم وتأوب إلى عروشكم بغير حساب ولا عقاب.
نعم تسببتم بسفك دماء أطفالكم ونسائكم وشيوخكم، وبموتهم جوعا وعطشا على مرأى ومسمع منكم فأصابتكم معرة ٌبعلم وسبق إصرار بالتهائكم ومهرجاناتكم وكأس قدمكم وليالي أنسكم، وكأن دما لا يسيل، ونجدةً لم توجب!
نعم تسببتم بهدم مدارسكم ومستشفياتكم وقتل تلامذتكم ومعلميكم ومرضاكم وممرضيكم وأطبائكم فأصابتكم معرة بعلم وسبق إصرار بخيانتكم للعهود والمواثيق والمبادئ لجامعة دولكم ومجلس تعاونكم وغيرها من مؤسساتكم الجامعة الدولية والإسلامية والعربية، والتي عندما وجب تفعيلها اختفيتم وتحولتم لوضعية (اعمل نفسك ميت) و (محلك سر).
نعم تسببتم بهتك شرفكم وعرضكم في أرضكم المحتلة فأصابتكم معرة بعلم وسبق إصرار بسكوتكم عن هذا المسخ القذر المحتل، الذي يدمر دولكم ويحتل أرضكم، وما سوريا وتدمير مقدراتها العسكرية واحتلال أرضها عنا ببعيد، ويجاهر بُوقُه الرسمي، بوزرائه وبرلمانه، وأدبائه ومفكريه وعامته وخاصته باستقذاركم، واحتقاركم، ولعنكم، واعتباركم حيواناتٍ لا تستحق الحياة بل الموت (الموت للعرب)…
نعم تسببتم بذَلكَ وغيره في حق أهلكم بغزة وفلسطين وفي غيرها من أرض العرب والمسلمين، فهل ماتت الغيرةُ والإنسانيةُ والنخوةُ والإيمانُ في قلوب آحادكم حتى بات كالأنعام، فترك الواجب عليه، وخلع عنه جبة العزة والإباء، والتوحيد وعدم الخيانة، ليتسبب بتلكم الدماء وتلكم الأشلاء، بسكوته وانكفائه وانشغاله بلهوه وترفه ولعبه، بل هناك مَنْ نزل في دركات الخسة والعار حتى بات هو وعدوه في خندق واحد.
لن أشتغلَ على تبييض صفحةٍ عَمِل أهلُها على تسويدها، والتاريخُ على تقبيحها… فشاه وجهُها، ومُرِّغَ جبينُها…
اللهم إننا نبرأ إليك من هذا العار الذي يلحق بهذه الأمةَ المكلومة في حكامها وحكوماتها وشعوبها، ونسألك اللهم أن تحييَ قلوبهم، وتبصرَهم بما يُعزهم ويرفع من شأنهم وشأنِ دولهم فوق المهانة التي يعيشونها في ظل دول الاستكبار الغربي الجائر والمجرم، اللهم ومن خُتِمَ على قلبه منهم، فنسألك اللهم أن تعجل بهلاكه، وتريحَ الأمةَ من خذلانه وشره، وتُقَلِّبَ قلوبَ العالمين وأرواحَهم وسلاحَهم لنصرتهم، وأن تنتقم اللهم لتلكم الدماء الزاكيات في غزة وفلسطين وفي اليمن ولبنان وفي كل أرض المسلمين الطاهرة بل وفي العالم بامتداده عاجلا غير آجل، وتجعلَ ذلكم الانتقامَ في تحرير فلسطين، وبلوغِ النصر المبين.
اللهم آمين
عبد الحميد بن حميد بن عبد الله الجامعي
الإثنين
٢٨ جمادى الآخرة ١٤٤٦ هـ
٣٠ ديسمبر ٢٠٢٤ م