تدخل سلطنة عُمان عام 2025 بتوقعات اقتصادية إيجابية، مدفوعة بالسياسات الإصلاحية التي بدأ تنفيذها في السنوات الأخيرة. وتشير المؤشرات الأولية إلى استمرار نمو الاقتصاد وتحسن أداء القطاعات غير النفطية، مما يعزز استدامة التنمية الاقتصادية واستثمار الممكنات الاقتصادية والتجارية.
فقد سجلت المؤشرات والقطاعات الاقتصادية في سلطنة عمان أداء استثنائيا مميزا خلال العام 2024م، وأظهرت أغلب القطاعات تحسنا إيجابيا في مستوى الأداء، مقارنة بالأعوام السابقة، نتحدث هنا بشكل أساسي عن أداء القطاعات الغير نفطية ومنها قطاعات السياحة، والصناعة، والثروة الزراعية، والسمكية، والأداء الإيجابي للقطاع المالي، والمصرفي، وغيرها من القطاعات التي شهدت أداء جيدا من حيث مستوى الإنتاجية والعوائد المالية، وهو بطبيعة الحال عزز من جهود الدولة في تنويع مصادر الدخل ،واستثمار الفرص ، والمقومات الاستثمارية المختلفة التي تمتلكها الدولة، وبما يتماشى مع الأهداف الاستراتيجية لرؤية “عُمان 2040”، هذه النتائج التي جاءت مدفوعة بسياسات اقتصادية متوازنة ، وبرامج تنموية استهدفت تنويع الاقتصاد الوطني، مع التركيز على تعزيز القطاعات غير النفطية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتنمية الموارد البشرية. ولقد أسهمت جهود الحكومة خلال الفترة الماضية وتحديدا منذ بدء خطة التحفيز الاقتصادي التي تنتهي بنهاية عام 2024م، في احتواء العديد من الإشكاليات التي كان يعاني منها القطاع الاقتصادي ، والاجتماعي خاصة في ضوء تراجع أسعار النفط قبل العام 2020م، أو بالنسبة لأزمة كوفيد، فلقد اتخذت الحكومة العديد من الإجراءات التحفيزية التي تعزز من الوضع الاقتصادي تحديدا وفي مقدمتها خفض الدين العام، ورفع مكانة سلطنة عمان في المؤشرات الاقتصادية، وإعادة هيكلة المؤسسات والشركات الحكومية، وجدولة العديد من البرامج والمشاريع التنموية المختلفة. ورغم ان تلك الإجراءات كانت قاسية في أغلبها خاصة على الجانب الاجتماعي والاقتصادي، وما صاحبها من قرارات ، إلا أن النتائج والمؤشرات الاقتصادية والاستثمارية بدأت في هذه المرحلة أكثر استقرارا وحضورا وتفاعلا من المشهد الاقتصادي الإقليمي والدولي، كما أن الاستقرار المالي للدولة، وقدرتها على تحقيق فوائض مالية في موازنتها السنوية تجاوزت مليارا و٢٠٠ مليون ريال عماني حسب آخر احصائية، مع الدفع بالمشاريع الاستثمارية، ودعم رواد الأعمال ، وتوفير فرص العمل، وتقديم الحوافز والتسهيلات، وضبط الانفاق، واستغلال الفرص المتاحة في قطاعات استراتيجية حيوية أسهم في تعزيز ذلك الاستقرار، وترجمة فعلية لتلك التوجهات ، عبر مشاريع استراتيجية نوعية. وربما أن أحد الجوانب المهمة إلى جانب ما اتخذته الدولة من إجراءات هو الارتفاع الجيد في أسعار النفط والذي تجاوز 90 دولارا مع بداية خطة التحفيز الاقتصادي، مما شكل عنصرا مهما في الدفع بتلك الجهود وتحقيق المأمول من تلك المستهدفات الرئيسية في رؤية عمان 2040م، والخطة الخمسية الحالية وفي مقدمتها كما أشرنا خفض الدين العام والذي بلغ في حدود 14 مليار ريال عماني، وهو إنجاز يحسب للجهود التي بذلت من أجل خفض الدين، التحدي الأبرز للسلطنة في تلك المرحلة.
المرحلة القادمة وفي ضوء المعطيات الإيجابية التي يشهدها القطاع الاقتصادي، والمالي وما تحمله المرحلة من توجهات اقتصادية إقليمية ودولية، فإن مجتمع رواد الأعمال يتطلع باهتمام كبير إلى الدفع بالقطاعات الاقتصادية بشكل أكبر، وفتح المجال أمام الاستثمارات الخارجية من خلال استقطاب استثمارات نوعية في قطاعات استراتيجية كالصناعة والسياحة ،والزراعة ،والثروة السمكية ،والطاقة، مع العمل على تخفيف القيود على المستثمرين بشكل أوسع، وفتح مجالات أرحب، إلى جانب رعاية أكبر لمشاريع رواد الأعمال من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، عبر تمكينهم والأخذ بهم والنظر في احتياجاتهم.
أما فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي فإن استيعاب الباحثين يعتبر الملف الأول في اهتمامات الحكومة، وهذا يتطلب جهودا مؤسسية ومجتمعية مشتركة، وبالتأكيد فإن موضوع الباحثين عن عمل سيكون في توجهات الحكومة كما كان خلال الفترة القادمة، إلى جانب أهمية العمل على مراجعة بعض القوانين، نتحدث هنا عن قانون الإجادة، والتقاعد، وأهمية إعادة النظر في موضوع الترقيات ،وتحسين الرواتب التقاعدية إلى جانب إعادة النظر في دعم بعض الخدمات ،ومراجعة الضرائب على الشركات والأفراد وهي من الجوانب الأساسية التي ستعمل على استقرار الأوضاع المالية لأبناء الوطن وأسرهم، وما يمثله رعاية هذه الفئة على الحياة الاقتصادية والتجارية.
وتمثل النتائج الاقتصادية لعام 2024 دليلًا عمليًا على جدوى السياسات الاقتصادية التي تنتهجها سلطنة عُمان. ومع استمرار التركيز على الابتكار والتطوير، يتوقع أن تشهد البلاد مزيدًا من التقدم، مما يعزز من قدرتها على تحقيق أهداف رؤية “عُمان 2040” وبناء اقتصاد مستدام ومتنوع، لذلك فكل المؤشرات تدلل على أن السلطنة ماضية في العام 2025 على تنفيذ برنامجها الإنمائي في مختلف القطاعات وهو ما يبشر بنمو اقتصادي واعد ومستقر.
مصطفى المعمري
كاتب عماني