يقال أن لكل سؤال جواب، فالسؤال بوابة من بوابات المعرفة، و عندما يكون السؤال دعوة بأن تعرف بنفسك حينها يتحول ذلك السؤال إلى فرصة للتأمل و التفكير في إجابة تجعلك قادرا على الإحتفاء بما تمتاز به من معارف و مهارات و قدرات و توجهات ذهنيةً تميزك عن غيرك.
سؤال تستهل به المقابلات:
أن مثل هذه الدعوة تعد من الأسئلة الشائعة التي تستهل بها المقابلات الوظيفية حيث يطرحً سؤال عرفنا عن نفسك؟ على المترشح لشغل الوظيفة. إن الإجابة عن هذا السؤال دائما ما تذكرني ببيت شعري للمتنبي يقول فيه:
أنا الذي نظَر الأعمى إلى أدبي
وأسْمعَت كلماتي مَن بهِ صَمَمُ
انظر كيف يصف المتنبي نفسه وحجم التقدير العميق الذي يكنه لها والثقة التي يتحدث بها فهو هنا يروج نفسه وفقا للعلامة الشخصية التي يود أن يغرسها في اذهان الناس بحيث يبقى أثرها مستمرا حتى في غيابه. ها هي قصائده العذبة تتناقلها الأجيال جيل تلو الآخر بالرغم من رحيله عن الدنيا منذ زمن بعيد.
ترى ما هي الصورة الذهنية التي تود أن تروجها لذاتك حين يطرح عليك ذات السؤال ويقال لك عرفنا عن نفسك؟
أنماط مختلفة من الإجابات:
لقد تسنى لي خلال مشاركاتي في العديد من مقابلات التوظيف أن استمع للمئات من المترشحين لشغل الوظائف وهم يجيبون على هذا السؤال. سؤال قد يبدو بسيط وسهل في الوهلة الأولى فلا أحد أخبر منك عن نفسك إلا أنت، ولكن يبقى السؤال بالرغم من سهولته عسير المنال عند البعض لأن السائل يود أن يرى الثقة والقدرة على ربط الإجابة بمتطلبات شغل الوظيفة و يأمل أن يرى حماس الشخص و مدى تقديره لذاته و الأثر الذي يود أن يتركه في أذهان أعضاء اللجنة بعد مغادرته للقاعة.
أن الرد على هذا السؤال السهل الممتنع يختلف من شخص لأخر. فهناك من ينزل عليه السؤال كالصاعقة فيرتبك ويتلكأ ويتسلل الخوف بداخله فيكبله، لذا تجده يجتر الكلام قسرا، فتخرج الكلمات بوتيرة غير متناغمة فتعجز عن إقناع أعضاء اللجنةً بجدواها.
وهناك من تشعر بأنه حفظ ماذا سيقول فيكرر ما كتبه في سيرته الذاتية وما أن ينتشل النسيان منه بعض الكلمات تجده يتوقف ويتلعثم و تبدأ الربكة تسيطر عليه فتفقده تناغم الحديث و القدرة على الإقناع أيضا.
اما ذلك الذي استعد جيدا للإجابة على هذا السؤال فتجد إجابته تتدفق بسهولة و يسر تطرب سامعها و تبهجه كما يبهج الناس المطر حين يتساقط على الأرض بسمفونية متناغمة تشعر هم بالبهجة و السعادة فتجد الأطفال من حولهم يتراقصون ببراءة و عفوية احتفاءا به.
إن هذا النوع من المترشحين للوظيفة تجده يصغي للسؤال جيدا ثم يبدأ في الحديث بثقة وبشكل منظم يسرد فيه إسمه ومؤهلاته ويربط خبراته بمتطلبات الوظيفة ويشير إلى أن مهاراته وقدراته التي ستميز أداءه عن غيره منذ الوهلة الأولى إذا ما وقع عليه الإختيار هكذا يظفر بنظرة إعجاب يراها مرتسمة على وجوه السائلين تمكنه من الإجابة على بقية الأسئلة بثقة وإقناع.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل تقتصر الإجابة على هذا السؤال في المقابلات الوظيفية أم أنه يجب أن يكون حاضرا في أذهاننا بشكل مستمر و نطرحه على أنفسنا بإستمرار ليدرك الفرد منا من هو؟ وما الذي يميزه عن غيره؟ و هل ستظل الإجابة على هذا السؤال اليوم شأنها شأن الإجابة في الغد.
أن من يسألون أنفسهم هذا السؤال بشكل مستمر يدركون أن التغيير الشخصي لواقع حالهم اليوم يتطلب و ضع رؤية واضحه للصورة الذهنية التي يودون أن يحققونها في الغد. أن السؤال حين يرد إلى أذهانهم مرارا و تكرارا يولد طموحا حقيقيا و شغف عميق في أنفسهم لوضع أهداف تقودهم إلى تحمل المسؤولية و السعي الدؤوب لتحقيقها و يكون لوقع إنجازها فارقا في حياته.
إن مثل هذا السلوك يقود إلى الوعي بالذات مما يساعد هً على تحديد قيمه و اهدافه و يدرك نقاط قوته وضعفه، مما يساعده على اتخاذ قرارات أفضل من خلال تحديد الاتجاه و وضوح الرؤية و القدرة على مواكبة التغيرات التي تطرأ في عالمه و تحمل المسؤولية لتحقيق النمو الشخصي المنشود و الحفاظ على علاقات متميزة مع الآخرين مما يعزيز الثقة بالنفس و مواجةً التحديات بصبر و حلول مبتكرة تجعلها جسرا للنجاحات ،فالمبادرة تعني أن تتحمل مسؤولية نفسك وأفعالك دون انتظار الآخرين. كن مستعدا عندما يطرح عليك هذا السؤال السهل الممتنع.
د. صالح الخمياسي
باحث و مدرب و كوتش في مجال القيادة الذاتية.