يمثل وجود المقاتلين الأجانب في التنظيمات الإرهابية بسوريا تحديًا قانونياً دولياً معقداً، حيث يتجاوز الأمر حدود الصراع المحلي ليصبح قضية عالمية ترتبط بمفاهيم السيادة الوطنية، الأمن الإقليمي، والمحاسبة الجنائية الدولية. وفق القانون الدولي، يُعد انضمام أفراد من جنسيات مختلفة إلى تنظيمات مثل هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني انتهاكاً لقواعد مكافحة الإرهاب والحياد الإقليمي.
كما أن وجود هؤلاء المقاتلين، الذين ينتمون إلى جنسيات متعددة، يثير تساؤلات حول مسؤولية دولهم الأصلية، سواء من حيث الملاحقة القانونية، سحب الجنسيات، أو إعادة التأهيل في حال عودتهم. في ظل غياب آليات دولية واضحة لمعالجة هذه الظاهرة، تبقى سوريا ساحة مفتوحة لتقاطع المصالح الدولية والصراعات القانونية.
بعد انهيار نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، يتعين على إندونيسيا استعادة نحو 400 مواطن مرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية، وإلا فقد يتم استغلالهم في الصراعات العالمية أو العودة إلى التشدد.
بالتالي، هناك فرصاً للعمل مع القيادة السورية الجديدة، حيث يتعين على الحكومة الإندونيسية أن تتعاون بشكل استباقي مع هذه الحكومة الجديدة بشأن إعادة المواطنين الإندونيسيين إلى وطنهم، من خلال الحاجة إلى حماية المواطنين الإندونيسيين مع ضمان عدم تشكيلهم تهديدا أمنيا بسبب الأيديولوجيات المتطرفة.
لقد ترك الصراع السوري، الذي بدأ في عام 2011 أثناء الربيع العربي موجة من الانتفاضات المناهضة للحكومة في مختلف أنحاء شمال أفريقيا والشرق الأوسط إرثاً معقداً بما في ذلك محنة المقاتلين الأجانب وأسرهم.
وبعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في عام 2019، واجهت العديد من الدول معضلة إعادة مواطنيها إلى أوطانهم وإزالة التطرف منهم أو محاكمتهم بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب، وفي إندونيسيا، أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة في العالم، تعتبر هذه القضية حساسة بشكل خاص بسبب تاريخ البلاد من التشدد الإسلامي والهجمات الإرهابية.
وتقدر الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب أن 375 شخصاً، بينهم 145 طفلاً، محتجزون في مخيمي الهول وروج في سوريا، الأشخاص الذين يعيشون في المخيمات هم عائلات مقاتلي داعش، حيث يضم مخيم الهول وحده أكثر من 70 ألف لاجئ، وفقاً لأرقام حديثة من الحكومة ومنظمات حقوق الإنسان.
وبعد سقوط الرئيس الأسد، بدأت ملامح مشهد سياسي جديد تتكشف في سوريا مع ظهور أحمد الشرع (المعروف سابقاً باسم أبو محمد الجولاني) كشخصية رئيسية في الحكومة الانتقالية، من المتوقع أن تتبنى الحكومة نهجاً معتدلاً مقارنة بالفصائل المتطرفة تحت حكم الأسد.
ومع ذلك هناك تحذيرات من أن أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية السابقين، بما في ذلك الإندونيسيين، قد يصبحون مرتزقة، فقد كان بإمكانهم التنقل من مكان إلى آخر دون أي خيار آخر، والبقاء على قيد الحياة من خلال التحول إلى مقاتلين أجانب.
التحول في السياسة
الآن يجب بتقييم الأفراد الذين من الآمن إعادتهم إلى وطنهم، مع التركيز على إزالة التطرف وإعادة الإدماج، والآن الجميع في صدد عملية تحديد وتقييم عدد المواطنين الإندونيسيين الذين سيتم إعادتهم إلى وطنهم، لأجل ذلك، تم إنشاء مرافق إعادة التأهيل للواصلين منهم، وفي ظل حكم برابوو سوبيانتو، الرئيس الإندونيسي الجديد، يمثل هذا تحولاً في السياسة.
على سبيل المثال، في عام 2020، أعلنت حكومة الرئيس آنذاك جوكو “جوكوي” ويدودو أنها لن تعيد المواطنين الذين انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، ولكنها ستنظر في إعادة بعض أطفالهم على أساس فردي، بالتالي، إن إعادة أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية السابقين إلى أوطانهم أمر محفوف بالمخاطر السياسية والأمنية ، كما أثبتت حالات سابقة من العائدين الذين عادوا إلى السلوك المتطرف.
وفي يناير/كانون الثاني 2019، نفذ زوجان إندونيسيان عملية انتحارية أسفرت عن مقتل 23 شخصاً كانوا يحضرون القداس الكاثوليكي في جولو بالفلبين، وفي ذلك الوقت، قالت السلطات الإندونيسية إن الزوجين، رولي ريان زيكي وأولفا هانداياني صالح، تم تأهيلهما من خلال برنامج حكومي بعد محاولتهما دون جدوى الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا .
أما في عام 2022، أفاد موقع بنار نيوز أن أكثر من 2150 إندونيسياً سافروا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى داعش بين عامي 2013 و2017، استناداً إلى أرقام من مكتب مكافحة الإرهاب الإندونيسي.
ومن بين هؤلاء، تم ترحيل أكثر من 555 قبل دخولهم سوريا، وعاد 194 إلى ديارهم طواعية، وتم تأكيد وفاة 127، وصنفت هيئة مكافحة الإرهاب الإندونيسية الـ 1250 إندونيسياً المتبقين على أنهم يعيشون في معسكرات اللاجئين التابعة لتنظيم داعش، أو محتجزون في سجون كردية، أو مفقودون أو طلقاء في سوريا والعراق.
ورغم المخاطر، لا بد من اتخاذ بعض الإجراءات وإلا فإن أولئك الذين ما زالوا في سوريا قد يتم استغلالهم خلال الصراعات الدائرة في سوريا، كما يجب أن يتم ذلك، لكن هناك مخاوف من أنه إذا بقوا لفترة أطول من اللازم، فقد يتم استغلالهم.
كما يجب تصنيف العائدين إلى فئتين: أولئك الذين ما زالوا موالين لتنظيم داعش وأولئك الذين تخلوا عن أيديولوجيته. ويجب أن تبدأ عملية الإعادة بالأفراد والأسر التي تعتبر منخفضة المخاطر، وهذا يجب أن ينطبق على كل المقاتلين الأجانب الراغبين في العودة إلى بلادهم.
لكن العقبات القانونية ستؤدي إلى تعقيد العملية، خاصة وأن العديد من الإندونيسيين في المخيمات هم أطفال ولدوا لأزواج من جنسيات مختلطة، ووضعهم القانوني كمواطنين غير واضح، ومع ذلك، يجب إعطاء الأطفال الأولوية في هذا الموضوع.
“عندما ذهبوا إلى سوريا، لم يكن أمامهم خيار سوى الذهاب ولم يكن لديهم خيار الجدال ضد والديهم”، لكن هذا الأمر قد يصطدم بعقبة أخرى وهي أن عدم كفاية الموارد قد يؤدي إلى تقويض جهود مكافحة التطرف، بالتالي، يجب أن تكون برامج إعادة التأهيل مصممة لتلائم الاحتياجات الفردية وأن تُجرى على مدى فترة زمنية طويلة. إن البرامج قصيرة الأجل معرضة لخطر الفشل، خاصة في ظل الصدمة النفسية العميقة والتلقين الإيديولوجي الذي تعرض له العديد من العائدين.
بالإضافة إلى ذلك، إن الشراكات مع منظمات المجتمع المدني ذات الخبرة في مكافحة الإرهاب وإزالة التطرف يمكن أن تلعب دوراً محورياً، لكن الرفض المجتمعي أو الوصمة قد يدفع العائدين إلى الشبكات المتطرفة، بالتالي يجب على المجتمع أن يكون مستعداً لقبول ودعم هؤلاء الأفراد. وفي غياب الإدماج المجتمعي، يظل خطر العودة إلى الجريمة مرتفعاً.
من هنا، يشكل وجود الإرهابيين الأجانب في سوريا تحدياً قانونياً عابراً للحدود، حيث تعقّد هذه الظاهرة جهود مكافحة الإرهاب وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات قانونية وأخلاقية مشتركة، من الناحية القانونية، يتطلب التصدي لهذه المشكلة نهجاً شاملاً يجمع بين المحاسبة الجنائية الدولية، التعاون الاستخباراتي، وتوفير آليات قانونية فعالة لإعادة التأهيل أو المحاكمة عند الضرورة.
كما أن تفعيل مبدأ المسؤولية المشتركة يفرض على الدول الأصلية للمقاتلين تحمل التزاماتها القانونية تجاه منع التطرف، ملاحقة المتورطين، ومنع تفاقم الظاهرة في مناطق النزاع الأخرى، لكن يبقى المجتمع الدولي مطالباً بتطوير أدوات قانونية تتماشى مع طبيعة الصراعات الحديثة لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب وحماية الأمن والسلم الدوليين.
عبد العزيز بدر عبد الله القطان/ كاتب ومفكر – الكويت.