بقلم: د. صالح بن عبدالله الخمياسي
نواصل الحديث هذا الإسبوع عن سؤال آخر من أسئلة المقابلات الوظيفية التي يحتار البعض في كيفية التعامل معها لنشر الوعي و تمكين الشباب من الرد بإسلوب لبق يتسم بالاتزان و ينأى عن الكمال فالكمال لله وحده.
لقد ورد عن سيدنا عمر بن الخطاب مقولة حري بنا التأسي بها. جملة موجزة تدل على رحابة صدره رضي الله عنه حين قال: “رحم الله امرء أهدى إليّ عيوبي” وهو أحد المبشرين بالجنه والقائد الذي أعجب به عدوه فقال عنه: “حكمت فعدلت فأمنت فنمت”.
لقد حير هذا السؤال العديد من متلقيه. يقع على أذانهم كصدمة تعكر إنسياب الحوار مع سائله . يتوتر المتلقي لا يعرف ما الذي يخفيه و ما الذي يعطيه في سياق إجابته.
يقول محمد عندما سئلت في المقابلة الماضية عن نقاط ضعفي ارتبكت . أخذت انظر إلي السائل و لسان حالي يقول ما هذه الورطه؟ ما الذي تودني أن أقول لك ؟ هل تود أن أفضح نفسي و أقول لك أنا ضعيف في كذا و كذا و كذا لكي أقلص فرصتي للحصول على هذه الوظيفة أم ماذا؟ كنت أستجدي ذهني ليسعفني بالإجابة. شعر ت بالارتباك والقلق. أخذت أفكر ما الذي ارد به على سؤاله الذي قلب مزاجي راساً على عقب.
إن الإجابة على هذا السؤال لم تكن عسيرة على محمد فقط بل حيرت الكثيرين و هي بحد ذاتها تعتمد على الزاوية التي يفكر منها المتلقي و تعكس حالته النفسية و نمط شخصيته من حيث كونه انطوائي خجول او واثق من نفسه مقدرا لذاته .
سألت العديد من الأشخاص لماذا يرتبك المتلقي حين يسأل عن نقاط ضعفه بينما تجده يتباها عندما يطلب منه ذكر محاسنه و نقاط قوته فجاءت الإجابات تحمل في طياتها عوامل عدة منها:
1. الخوف من أن يحكم عليه سائله بشكل سلبي و ما لذلك من إنعكاس على فرصته في الحصول على الوظيفة فالكثير ممن يخضع للمقابلات يعتقدون ان الإفصاح عن نقاط الضعف يدل على نقص الكفاءة أو عدم الجدارة.
2. بعض الأحيان يظن المتلقي ان المقصود بالسؤال التطرق إلى كافة ما لديه من نقاط الضعف في حين أن السائل يود معرفة مدى وعيه بذاته و حرصه على القيام بالتحسين المطلوب .
3. عدم التدرب المسبق للرد على السؤال مما يؤدي إلى الارتباك و القلق بل التجمد بعض الأحيان و يظهر ذلك جليا على ما تشير إليه لغة جسده من مؤشرات .
4. رغبة البعض في الظهور بصورة مثالية كاملة لا نقص فيها حيث لا يعترف المتلقي بوجود اية نقاط ضعف لديه. بل ربما تراه يتسأل كيف يسىئل أمثاله مثل هذا السؤال فهذا إجحاف في حقه و تقليل من مستواه.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يقوم أعضاء لجنة التوظيف بطرح هذا السؤال و ما المغزى منه. إن طرح سؤال عن نقاط الضعف لدى المتلقي في المقابلات الوظيفية يعطي السائل المؤشرات التالية:
- يكشف مدى وعي الشخص بذاته ومدى قدرته على تقييم نفسه بموضوعية و إتزان ، فعندما يدرك الشخص منا نقاط ضعفه سيعمل حتما على تحسينها مما يدل على وعيه و نضجه المهني.
- ان أسلوب اجابة المتلقي يجسد قدرته على التعامل مع التحديات أو النقاط السلبية. هل يواجهها مباشرة ويعمل على تحسينها؟ أم يتجنب الحديث عنها؟ كذلك فإن إن الرد يدل على مدى صدق المتلقي وثقته في مناقشة مثل هذه الأمور الحساسة و تعكس قدرته على إدارة المواقف الصعبة.
- يهدف السائل إلى معرفة ما إذا كانت نقاط الضعف ستؤثر سلبا على الأداء إذا ما قع عليه الإختيار أم أنها نقاط غير جوهرية يمكن تجاوزها و كذلك التعرف على ما سيبذله الشخص من جهود لتحسين تلك النقاط في إطار حرصه على التطور الذاتي بشكل مستمر.
بينما كنت مستطردا في الحديث مع محمد سألني كيف يمكن لي الرد على هذا السؤال بأريحيّة و دون تردد. نظرت إليه مبتسما وقلت له لقد حرقتك لسعة السؤال أليس كذلك . رد مبتسما و قال لكنني أنوي أن تكون إجابتي القادمة مقنعة فالسؤال بحد ذاته فرصة للتأمل في أنفسنا و السعي إلى تطويرها و التواكب مع مستجدات العمل فكل شئ قابل للتعلم متى ما كان المرء واعيا لذاته و صادقا مع نفسه. قلت له بالفعل.
إن الإجابة على هذا السؤال يا محمد تقتضي الإنصات الجيد للسؤال و فهمه عندما يتم طرحه في المقابله.كما يجب أن يقوم الشخص بالتحضير المسبق للإجابة على مثل هذا السؤال من خلال ذكر نقاط ضعف لا يكون لها تأثير على أداءه.اعتبر السؤال فرصة لإظهار وعيك الذاتي وقدرتك على التعلم المستمر . يحاول البعض ان يصور أثناء حواره عدم وجود نقاط ضعف لديه و هذا أمر غير واقعي، لذا لا تحاول إنكار وجودها تمامًا لأن التوازن سيعكس نضجك و وعيك.
على سبيل المثال يمكنك الرد على السؤال من خلال توظيف المثالين التاليين:
-التركيز على التفاصيل الصغيرة، الأمر الذي يكبدني الكثير من الوقت. لكنني الأن أعمل على تحسين هذه النقطة من خلال الإلتزام بتحديد أولوياتي و إدارة وقتي بفعالية أكبر. و قد لمست تحسنا في ذلك و لاشك ان من سار على الدرب وصل.
- إذا كانت الوظيفة لا تتطلب التعامل مع الجمهور ان تقول أنني أواجه أحيانًا بعض التوتر عند الحديث أمام جمهور كبير و لكنني بت مقتنعا بضرورة تطوير هذه المهارات و بدأت أتابع مشاهير المتحدثين و انخرطت في دورة تدريبيه عن أهمية الإلقاء و بدأت اقدم بعض العروض داخليا فغدى الأمر أكثر سهولة مما كنت متوقعا.
كما يجب ان تضع في ذهنك إمكانية أن يطرح السؤال بصيغة غير مباشرة كأن يطلب منك السائل ا ن تحدثه عن اداءك الوظيفي و التقييم الذي حصلت عليه و ما الذي تعمل على تحسينه من مهارات.
كان محمد يصغي بإهتمام للحديث و أخذ يدون بعض النقاط في ورقته. ثم قال منذ الآن حتما سأكون أكثر إستعدادا للإجابة على هذا السؤال دون تردد او حيرة او قلق.
بقي أن نتذكر أن الارتباك عند الإجابة عن هذا السؤال أمر طبيعي لحساسيته فيمكنك تحويل هذا التحدي إلى فرصة لإبراز الثقة بالنفس والقدرة على التطور من خلال إتباع التوصيات المشار إليها فالكل منا لديه نقاط ضعف و لكن كيفية الرد على هذا السؤال تميز شخصا عن آخر و تجذب مستمعيه للإنصات إلى رده ما يتركه من إنطباع جيد في نفوسهم. و لكي تخلق الإنطباع الجيد عند الإجابة على هذا السؤال فكر في الرد مسبقا.
د.صالح بن عبدالله الخمياسي / باحث و مدرب و كوتش في مجال القيادة الذاتية