مقال اليوم نتكلم فيه عن اختيار وتقديم الزُّهور من حيث: الألوان، النَّوع، العدد، المناسبة، المكان، تشكيلات الزُّهور، والجهة المُراد تقديمها.. وغيرها من النّقاط الواجب احترامها وتقديرها، بالإضافة إلى ثقافة وعادات البلد.
اتَّفق خبراء البروتوكول والإتيكيت بأنَّ الزُّهور هي لُغة من لُغات الحُبِّ ورسول الاحترام والتَّقدير بَيْنَ الطَّرفَيْنِ، ومعبّرة بطيب الاشتياق وهي عالَم واسع، وتعكس فنَّ وحضارة وثقافة الشُّعوب، بالإضافة إلى أنَّها تعكس كاريزما الشَّخص وثقافته وبيئته، انتقاؤها بدقَّة يعكسُ مدَى ونسبة الحُب والاهتمام بالآخر، حيث تتبارَى المدارس الدبلوماسيَّة بوضع أُسُس حديثة وراقية بفنِّ إتيكيت اختيار وتقديم الزُّهور وألوانها الجميلة (الأحمر/ الوردي/ الزهري أو الورديّ/ الأبيض).
نلاحظ هذه الأيَّام وضع حزمة وباقة كبيرة من مختلف الأنواع من الزُّهور، وكذلك عدَّة ألوان، سواء على الطَّاولات أو خلف المسؤولين، وهذا ليس ضِمْن فنِّ الإتيكيت المتعارف عَلَيْه ضِمْن المدارس الدبلوماسيَّة الإنجليزيَّة. وتؤكِّد هذه المدارس أنَّ هناك ذوقًا وأناقة في اختيار عدد وألوان الزُّهور استنادًا إلى كاريزما الشَّخص، وتنصح ـ قدر المستطاع ـ بالابتعاد عن اللَّون الأصفر؛ لكونِه يُمثِّل الأنانيَّة وحُب الذَّات والأنا، بالإضافة إلى أنَّ اللَّونَ الأصفر يُمثِّل فصل الخريف وهو تساقُط أوراق الأشجار، وتكُونُ بِلَوْنٍ أصفر والَّتي تُدلِّل على الكآبة؛ لذلك استبعدوا اللَّونَ الأصفر نهائيًّا؛ لكونه يُمثِّل نهاية الحياة الدنيويَّة، حيث تتحوَّل جثَّة الميت إلى اللَّونِ الأصفر الشَّاحب، لذلك عَلَيْنا الانتباه إلى هذه الملاحظة الصَّادرة من المدارس المُتخصِّصة بفنِّ الإتيكيت، واختيار لونِ وعدد الزُّهور والابتعاد عن الكثرة في العدد بمختلف الألوان؛ لأنَّ مكتب المسؤول ليس مشتلًا للزُّهور، وهذا ما نلاحظه في مكاتب بعض المسؤولين عكس ما نلاحظه في الدوَل الأجنبيَّة وخصوصًا أوروبا الغربيَّة، حيثُ يقتصر على قلَّة العدد مع لونَيْنِ فقط من الزُّهور.
يذهبُ عُلماء الاجتماع إلى أنَّ الهدايا ومِنْها (تقديم الزُّهور) بَيْنَ الأهل والأقارب تُعَدُّ حجر أساس لبناء عائلة رصينة ومترابطة وذات مستقبل مرموق؛ لكونِ تقديم (الهدايا أو الزُّهور) ينبع من احترامهم وتقييمهم للمناسَبة وللشَّخص، وكذلك حُبهم للاستمرار والمحافظة على هذا الرَّابط الاجتماعي.
أمَّا عُلماء النَّفْس الاجتماعي فيقولون في كِتاباتهم بأنَّ هدايا النَّاس البسطاء والفقراء والمُقدَّمة من قِبلهم للطَّرف الآخر هي أثمنُ بكثير من تبادل الهدايا بَيْنَ الأغنياء والمترفين لِمَا فيها من معانٍ خالِصة ونقيَّة بعيدًا عن المصلحة الشَّخصيَّة والتَّباهي بها.
يؤدِّي عدد الزُّهور دَوْرًا جوهريًّا في إيصال المعنى للطَّرف الثَّاني، فتقديم وردة واحدة يعني الكثير في قاموس الحُب والعشَّاق. فالوردة الواحدة تكادُ تختزلُ عبارات وجُمَلًا وكلمات كثيرة، والحُب الصَّافي لا يحتاج للكثير من الكلام، أمَّا إذا أردتَ أن تُقدِّمَ باقةً من الورود فعدَدُ الزُّهور يتعلَّق بعادات وجنسيَّات مَن تُقدِّم إِلَيْه الزُّهور. ففي أميركا يبدو من الأفضل دومًا تقديم باقة من (12) وردةً، أمَّا في أوروبا لا يوجد أيُّ اهتمام بعدد الورود، ومع ذلك فإنَّ الرَّقم (13) يحمل الكثير من المعاني السَّلبيَّة في الكثير من الثَّقافات حَوْلَ العالَم لذا تجنَّبْه كُليًّا، أمَّا في آسيا فإنَّ الرَّقم (4) يرمز إلى الحظِّ السَّيِّء وإلى الموت.
المدرسة الإنجليزيَّة تدرس طبيعة الألوان من النَّاحية الفيزيائيَّة الطبيَّة، وليس فقط للذَّوق العامِّ وأناقة الاختيار، حيثُ البُعد الموجي لهذه الألوان وتأثيرها على العَيْنِ وسيكولوجيَّة البَشَر، وهذا كُلُّه يحدُث في بوتقة المخ خلال كسور الثَّانية؛ لأنَّ الشُّعيرات والخلايا العصبيَّة الموجودة في الدِّماغ والَّتي تستقبل اللَّون من خلال العَيْنِ والَّتي سوف ترسل هذه الإشارات إلى الدِّماغ وبعدها يبدأ الدِّماغ بالتَّحليل واختيار المناسب لِيعطيَ الأوامر إلى اللِّسان للنُّطق بالقرار واتِّخاذ الكلمة الفصل في اختيار اللَّون والعدد والنَّوْع، وطبعًا هذا يحدُث في رمشة عَيْن ولكن نحن لا ندرك هذا الموضوع.
هناك عدَّة أشكال لباقات الزُّهور عِندَ استخدامها: قد تكُونُ مستويةً توضع على الطَّاولة بحيثُ لا يزيد ارتفاع الزُّهور على (15سم) (في توقيع الاتفاقيَّات، حضور جلسة مفاوضات رسميَّة، مناقشة رسائل الدكتوراه، الماجستير وما شابه ذلك)، باقات ورود محمولة باليد (حفل تخرُّج، خطوبة، ترقية، عيد ميلاد، ولادة أطفال، عيد الزّواج وعيد الحُب وما شابَه ذلك)، باقات وردة تكُونُ مرتفعة على شكلٍ عمودي ومثبَّتة بقطعة إسفنج أو سلَّة أو وعاء خاصٍّ (عمليَّة جراحيَّة ناجحة، بيت جديد، منصب كبار الشَّخصيَّات، اعتذار وما شابَه ذلك)، باقات ورود محمولة بالمناسبات الوطنيَّة كالجندي المجهول، باقات ورْد تضع على الطَّاولة خلف كبار الشَّخصيَّات، وأخيرًا بدأتْ مدارس التَّصميم الدَّاخلي بإدخال الزُّهور على كثير من المجالات، سواء ورود طبيعيَّة أو صناعيَّة كالَّتي توضع في الكيك أو تُنثر في كوشات الزّواج.
د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت