تضعنا الإجابة على التَّساؤل المطروح أعلاه أمام مشهد جديد في عمل مؤسَّسات الجهاز الإداري للدَّولة، فمَن يقارن عمل المؤسَّسات قَبل ظهور هذه المنصَّات وما بعدَها يجد الفارق كبيرًا والبون شاسعًا جدًّا، وأنَّ استجابة المؤسَّسات اليوم لِمَا يطرحه المواطن باتَتْ أكيدةً ولا تقبل التَّأخير، وأصبحتْ من أولويَّات عمل المؤسَّسات، بل إنَّ الكثير من المؤسَّسات السَّاعية للتَّطوير والتَّجديد تتابع ما يَدُور في هذه المنصَّات في مجال اختصاصاتها بشكلٍ مستمرٍّ للقناعة بأنَّ المنصَّات أصبحت صوت المواطن وعين الحكومة في قراءة الأداء المؤسَّسي، لذلك وجدت في المنصَّات الاجتماعيَّة القوَّة في مواجهة البيروقراطيَّة والأنانيَّة والسلطويَّة والفردانيَّة، إذ لم يَعُدْ لهذه المفاهيم اليوم أيُّ قِيمة في ظلِّ ما فرضته المنصَّات من واقع جديد على المؤسَّسات أن تتفاعلَ معه بكُلِّ مهنيَّة، وعلى أقلّ تقدير أن تردَّ على ما يَدُور عَبْرَ المنصَّات في نطاق عملها ببيان عاجل، سواء على شكل اعتذار أو توضيح أو غيرها من الأمور الَّتي كانتْ غير حاضرة في قاموس عمل المؤسَّسات، ولم يقفِ الأمْرُ عِندَ هذا الحدِّ، بل أصبحتِ المنصَّات الاجتماعيَّة اليوم في ظلِّ حجم التَّفاعل مع الهاشتاقات المطروحة عبر منصَّة X، بمختلف الأوصاف، سواء في التَّغريدات الكتابيَّة والمقاطع الصوتيَّة والحركيَّة عَبْرَ اليوتيوب والَّتيك توك والفيديوهات وغيرها، جعلت المؤسَّسات في حالة من الذُّهول في التَّعامل مع الترند والصُّورة الذِّهنيَّة السَّلبيَّة الَّتي باتَ يعكسها حَوْلَ أداء المؤسَّسات، الأمْرُ الَّذي يضع المؤسَّسات أمام تقييم للمسار ومراجعة وتصحيح للتَّوجُّه الَّذي مضتْ فيه لينتجَ عن ذلك إجراءات محدَّدة مِثل: وقف تنفيذ أو إلغاء أو تأجيل قرارات أو سحب برامج وتوجُّهات وتعميمات وإعادة تصحيحها وهناك من الأمثلة الكثيرة في واقعنا الوطني ما يؤكِّد هذا المسار، حَوْلَ قضايا الباحثين عن عمل والمُسرَّحين من القِطاع الخاصِّ، والتَّوظيف والتَّشغيل، وتداعيات الإجراءات الاقتصاديَّة المُتَّخذة على حياة المواطن، وارتفاع أسعار الخدمات الحكوميَّة، ورفع الدَّعم الحكومي عن الكهرباء والمياه والوقود، وتزايد دعوات الشَّارع العُماني للحكومة بالمطالبة بمراجعة سياساتها الاقتصاديَّة وتبعاتها الاجتماعيَّة، حَوْلَ منظومة الحماية الاجتماعيَّة والأُجور والأمان الوظيفي والمنافع الاجتماعيَّة، حيث قدَّم حجم التَّفاعل المُجتمعي معها صورة مكبّرة حَوْلَ قدرة هذه المنصَّات التَّواصُليَّة على إحداث تحوُّل في التَّوجُّهات الوطنيَّة، وأصبحتْ هذه المنصَّات تمارس دَوْر الضَّغط على السِّياسات الحكوميَّة حَوْلَ المسار الَّذي يَجِبُ أن تتَّجهَ إِلَيْه في عمليَّات الإصلاح والتَّطوير والمراجعة والتَّقنين، وفي الوقت نَفْسه أصبحت أداة مهمَّة يعتمد عَلَيْها المُجتمع في تقييم الأداء الحكومي المؤسَّسي، والوقوف على الجهد المبذول فيه، حتَّى أصبحتْ أداةً كاشفة للعمل، ووسيلة ناجعة لمعرفة أوْجُه القوَّة وجوانب الضَّعف والفرص والتَّحدِّيات والاختلالات الحاصلة فيه، وفرض مسار جديد يعتمد على استشعار الجميع بأهميَّة الوصول إلى إطار عمل وطني، تتكامل حَوْلَه الجهود وتنسج خلاله خيوط اتِّصال وتواصل لخدمة عُمان وأبنائها.
قد يقول البعض بأنَّ ما أشرت إِلَيْه سابقًا يصبُّ في مصلحة المواطن أو المستفيد بالدَّرجة الأُولى، وورقة ضغط جديدة بِيَدِ المواطن تؤسِّس للمزيد من التَّشريعات والتَّوجُّهات الإيجابيَّة والتَّبسيط في الإجراءات وغيرها من الممارسات النَّوعيَّة الَّتي باتتْ تظهر في عمل المؤسَّسات بَيْنَ فترة وأخرى خصوصًا في إطار التَّوَجُّه نَحْوَ التَّحوُّل الرَّقمي والبيانات المفتوحة والمحتوى الوطني واللامركزيَّة، الأمْرُ الَّذي يَقُودُ بشكلٍ جيِّد نَحْوَ التَّوظيف المهني لهذه المنصَّات في خدمة العمل الوطني وقضاياه المختلفة، بما يستدعيه ذلك من تنشيط وتحريك الأدوات والآليَّات الخاملة بالمؤسَّسات أو مؤسَّسات المُجتمع الأهلي أو الَّتي لم توظفْ بشكلٍ صحيح وعملي في حوكمة ومتابعة ومراقبة الأداء الحكومي، لذلك نعتقد بأنَّ استفادة المؤسَّسات من هذا الأمْرِ أنَّها أعادتْ لها مُقوِّمات الحياة وممكنات التَّجديد والتَّحديث، وأصبحت مسألة التَّطوير في البرامج والخطط والمبادرات أكثر اقترابًا من التَّنفيذ وسرعة في وصولها إلى طاولة النِّقاش والمراجعة، ولم تَعُدِ المقترحات الَّتي يُقدِّمها المُجتمع الوظيفي قابعةً في أدراج المسؤول الحكومي، بل أصبحتِ اليوم أحَد أنماط التَّغيير الَّتي أنتجتْ روحًا جديدة وحياة مُتجدِّدة في عمل المؤسَّسات ولم تَعُدْ لُغة البطء ومقاومة التَّغيير وحالة اللامبالاة الَّتي كانتْ تنتهجها بعض المؤسَّسات قادرة على الصُّمود؛ فقد كسرتْها إرادة التَّغيير الَّتي يلتزمها المواطن أو المستفيد عَبْرَ المنصَّات الاجتماعيَّة والَّتي بِدَوْرها قدَّمتِ الحلول وأعطتِ المؤسَّسات تفاصيل عملها القادمة في معالجة هذا التَّحدِّيات الَّتي تواجهها، لذلك لم يبقَ لها من عُذر في الاستمرار بوجودها خارج التَّغطية، أو الإبقاء عَلَيْها مدفونةً خارج النَّص، من هنا جاءت إرادة التَّغيير حاملةً معها مفاهيم مُتجدِّدة قدَّمتها المنصَّات الاجتماعيَّة للمؤسَّسات واقعًا عَلَيْها أن تتفاعلَ معها بكُلِّ جديَّة، كما أنَّ عَلَيْها أن تُعِيدَ ترتيب أوضاعها وتصحيح مسارها؛ وفي إطار مسار الحوكمة والتَّقنين والمراجعة والتَّصحيح والشَّراكة والثِّقة باتتْ تضع هذه الموجِّهات كمدخلات في عمليَّة التَّحوُّل والانتقال بالمؤسَّسات من مرحلة الانتظار إلى مَن يقدِّم لها الحلول أو يقترح البدائل إلى الاستباقيَّة في قراءة ما يفكِّر فيه المواطن والمستهدف ولم تَعُدِ الشَّكاوى والأظرف الَّتي امتلأتْ بها صناديق الشَّكاوى في المؤسَّسات وظلَّتْ مغلقةً والَّتي لم تكُنْ تُفتح أصلًا، أصبحتِ اليوم بفعل المنصَّات الاجتماعيَّة مكشوفةً للجميع وواضحة تفاصيلها للعيان، ولم تَعُدِ المؤسَّسات قادرةً على كتمِ بعضها أو منعِ أخرى من الإفصاح عمَّا بداخلها من هواجس ومظالم وحقوق والتزامات ومطالبات، لقَدْ أعطَى ذلك مساحة أوسع لمؤسَّسات الجهاز الإداري للدَّولة في بناء سياسات أكثر مرونةً ومهنيَّة وأقرب إلى فتحِ باب الحوار الأصيل المتكافئ مع المواطن، عَبْرَ تنازلات تقدّمها، أو إجراءات أخرى تُعِيد النَّظر فيها في القرارات السَّابقة الَّتي اتَّخذتها استجابة لمطالب المواطنين ورغباتهم، ومؤشِّرًا لوقوف أجهزة الدَّولة المعنيَّة على مطالب الشَّباب في إطار منظومة الحقوق والواجبات وحُريَّة التَّعبير الَّتي كفلَها النِّظام الأساسي للدَّولة وأطَّرتها القوانين والتَّشريعات النَّافذة، الأمْرُ الَّذي وضع المؤسَّسات أمام مرحلة جديدة قوامها الاستباقيَّة والحدس والفراسة في تَبنِّي سياسات أكثر انفتاحًا ومرونة وتجدُّدًا وتغييرًا قَبل أن تصلَ إلى منصَّات التَّواصُل الاجتماعي.
لقَدْ أنتجتْ منصَّات التَّواصُل الاجتماعي حقائق جديدة وأفصحتْ عن وقائع كثيرة وكشفتْ ملفات كثيرة في الفساد والإهمال والظُّلم والمحاباة والمحسوبيَّة والتَّرهلات والتَّوظيف والتَّشغيل وغيرها كثير، كما ذكرتِ المؤسَّسات بالكثير من الطُّروحات والمقترحات والأفكار والرَّسائل والمخاطبات الَّتي وصلتْ إلى يَدِ المسؤول الحكومي أو قُدِّمتْ لمكتبه موثَّقة بالأرقام والتَّواريخ والَّتي ظلَّت حبيسة الأدراج لِتتَّجهَ الأنظار إلى إنفاذها والعمل على فتحِ هذه الملفات ودراستها والعمل بما وردَ فيها، لقَدِ انعكس ذلك إيجابًا على الأداء الدَّاخلي للمؤسَّسات وتصحيح ما يعتري البيت الدَّاخلي لها من ترهُّلات وما تواجهُه منظومة العمل بالمؤسَّسات من تراجعات وضَعف أو ما يحصل فيها من تجاوزات حتَّى أصبحتْ بفضلِ منصَّات التَّواصُل الاجتماعي ظاهرة للعيان، فقَدْ يرصد البعض عَبْرَ هذه المنصَّات ـ وما أكثره ـ إهمالًا من مؤسَّسة في أحَد مبانيها أو التزاماتها أو اختصاصاتها أو غياب الرَّقابة والمتابعة على ما يقع تحت اختصاصاتها ليتمَّ تداوله عَبْرَ هذه المنصَّات، لتبدأَ الدَّوْرة الرَّقميَّة تتبع مساره وتبرز الحقائق وما خفي بشأنها، لِتجدَ المؤسَّسات أنَّها في وضعٍ مغاير وموقفٍ صعب يَجِبُ أن تخرجَ فيه للعيان وترفع قبعة التَّغيير والتَّقدير لِمَا وردَ عَبْرَ هذه المنصَّات أو تمَّ تداوله لتبدأَ بِدَوْرها حراكًا جديدًا بعد إهمال وتحوُّلًا نَوعيًّا في الأداء بعد فتور، وردّ اعتبار لِمَن نالته المَظلمة أو حصل في حقِّه الإهمال، فتجنّد المؤسَّسة مواردها من أجْلِ إصلاح الخلَلِ أو الوقوف على المُشْكلة بأفضل ممارسة وأجودها ونشاط غير متوقَّع. محطَّات تجسِّد دَوْر منصَّات التَّواصُل الاجتماعي في تعزيز الثِّقة في الأداء الحكومي وترسيخ مفهوم عملي للشَّراكة الواقعيَّة القائمة على الحوار وصناعة الأثَر والضَّامنة لتوظيف الفرص المُتحقِّقة لهذه المنصَّات في جودة الأداء وإذكاء روح المنافسة، وتعظيم مسار الحوكمة والشَّراكة والشَّفافيَّة والحوار الاجتماعي وصناعة الأثَر باعتبارها موجِّهات لعملٍ مشترك ومنجز مؤسَّسي يحتوي المواطن ويأخذ بِيَدِه ويوجِّه قناعاته وحواراته نَحْوَ مساندة الحكومة في تنفيذ سياساتها وبرامجها التَّنمويَّة على أرض الواقع.
د.رجب بن علي العويسي