د. صالح بن عبدالله الخمياسي.
كان محمود كلما طلب منه أن ينجز شيئا ما , جاء رده مباشرة بكلمة بسيطة على اللسان مكلفة للإنسان و هي كلمة “بعدين ” مهما كان حجم الموضوع الذي طلب منه صغيرا ام كبيرا ,عاجلا ام لا .
هكذا التصقت كلمة بعدين بسلوكه الذي ولد إنطباعا ذهنيا عنه لدى أهله و زملاءه و جميع من يتعاملوا معه و أصبح يعرف بأنه غير منجز و لا يمكن الإعتماد عليه خاصة في المهمات العاجلة و في اللحظات الحرجة التي تتطلب سرعة و دقة و جودة في الإنجاز.
لا شك أن محمود يذكرنا بأشخاص في محيطنا العائلي او العملي او المجتمعي او يمنحنا فرصة التأمل في أنفسنا لنتساءل هل نحن من أولئك الذين تستهويهم مفردات مثل بعدين و بكره و الاسبوع القادم بل يصل الحال بهم إلى التحجج بأنه لا يوجد لديهم وقت، او على حد قول البعض ” مشغول ما عندي وقت اتنفس “، بالرغم من أن الوقت قسمهً الله عز وجل بالتساوي بين الناس جميعا صغيرهم و كبيرهم ، غنيهم و فقيرهم ، رجالهم و نساءهم فلماذا يحسن إستخدامه البعض فيقودهم للنجاح و يهدره البعض الآخر و تكون ردة فعلهم التسويف و التحجج بعدم وجود وقت لإنجاز ما يطلب منهم من أعمال و واجبات. و تظل كلماتهم مواعيد عرقوب كما يقال.
أسباب التسويف؛
إن التسويف بالمختصر المفيد هو تأجيل المهام التي يجب عليك إنجازها اليوم إلى وقت لاحق دون مبرر مقبول.
يقول شاعر الهند العظيم طاغور “لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، لأن غدًا لن يأتي إلا بما قررته أنت اليوم.” لذا فالسؤال الذي يطرح ذاته هنا لماذا يسوف محمود و من على شاكلته من المسوفين إنجاز اليوم إلى الغد؟
إن التسويف كسلوك يرجع إلى عدة أسباب منها الخوف من الفشل ، و الحرص على تقديم العمل بشكل مثالي وًعند الشعور بالإرهاق أو الضغط من المهام الكثيرة او عدم قدرة الشخص على التخطيط والتنظيم الذي يؤدي إلى فوضى وعدم وضوح الأولويات، و كذلك الانشغال بالمشتتات كوسائل التواصل الاجتماعي أو الترفيه التي باتت في متناول يد الجميع، فهي تسرق الوقت و تفتح الباب للتسويف.
حالات يحمد فيها التسويف:
بالرغم مما للتسويف من سلبيات الإ انه يظل من الذكاء بعض الأحيان فعندما يتطلب الأمر وقتًا إضافيًا للتفكير والتحليل قبل اتخاذ قرار مهم للحصول على معلومات إضافية أو التفكير بشكل أعمق لتفادي اتخاذ قرارات متسرعه و عند وجود العديد من المهام العاجلة، يمكن تأجيل المهام التي لا تعد أولوية ليتم التركيز على الهامة و العاجلة منها. كذلك في بعض الأحيان تكون هناك عوامل خارجية أو مهنية تمنعك من اتخاذ خطوة هامة، فإن الانتظار لفترة قصيرة حتى تتحسن الظروف يظل الخيار الأفضل.
ضريبة التسويف؛
التسويف على حد قول فيكتور هوغو ” هو سر هزيمة العقول المبدعة.” فالتسويف كعادة ليست خيارا جيدا في عالم الإنجازات العظيمه إذ ان هناك ضريبة مصاحبة لها تتمثل في زيادة التوتر ، إذ ان تأجيل المهام يؤدي إلى تراكمها، مما يسبب توتراً وقلقاً مستمراً بشأن المواعيد النهائية. ناهيك عن تدني الجودة و ضياع الفرص المهنية أو الشخصية بسبب التأجيل المستمر لإنجاز ما يجب إنجازه مما يؤدي إلى تدني الثقة بالنفس و عدم الكفاءة والعجز، مما يؤثر سلباً على تقدير الفرد لذاته.
شركات إعتمدت الإنجاز في الوقت:
هناك العديد من الشركات العالمية التي إعتمدت الإنجاز في الوقت فلسفةً لها مثل شركة تويوتا (Toyota) و نظام “Just in Time”، حيث تنتج القطع والمنتجات عند الحاجة فقط، لتقليل الهدر و الالتزام بالمواعيد. كما ان شركة أمازون (Amazon تبنت ثقافة سرعة الإنجاز والابتكار من خلال أنظمة فعالة للتوصيل وخدمة العملاء، ليتسنى لها من خلالها ضمان تسليم الطلبات في وقت قياسي. كما تعرف شركة نايكي “Nike”بثقافتها العالية في التحفيز والإنجاز. فشعارها الشهير “Just Do It” يمثل أكثر من مجرد كلمة دعائية؛ إنه فلسفة حياة تشجع الناس على تجاوز التردد والتسويف، والتركيز على العمل الفوري والإنجاز في الوقت المناسب.
محمود يقلع عن التسويف:
بعد أن تكبد محمود الكثير من الأضرار من جراء ممارسة التسويف لفترة طويلةً اقتنع بضرورة التغلب على عادة التسويف التي جعلته يخسر ثقة مدراءه و زملاءه و أصدقاءه المقربين فقرر الحرص على إنجاز عمل اليوم اليوم و أن يكون في قائمة متميزي الاداء في نهاية العام فحرص على الاستفادة من تجربة زملاءه المميزين و أخذ ينظم وقته و يعد قائمة المهام المطلوب إنجازها و يقبل على تنفيذها وفقا للأولويات و يطلب مساعدة غيره في بعض الأحيان و يفوض لهم إنجاز بعض الأعمال و ذلك سعيا منه لرفع سقف خدمة العملاء وً الحرص على كسب رضاهم .
لقد أعجب محمود بعبارة “ Just Do It” الذي اتخذته شركة نايكي شعارا لها فوضع العبارة في مكتبه لتكون امام عينيه لكي يعود إليها كلما شعر برغبة في التسويف و هكذا حرص على الالتزام بالإنجاز في المواعيد و بمرور الأيام إختفت مفردته السائدة “بعدين” لتحل محلها كلمة أبشر دقائق و يكون عندك بعد أن أصر على إنجاز عمل اليوم اليوم. فالتسويف كما يقول جاري رأين ” هو الطريقة الوحيدة التي تنجح بها في تدمير أحلامك.”.
د. صالح الخمياسي باحث و مدرب و كوتش في القيادة الذاتية