في الوقت الذي يجب أن يكون فيه القطاعان العام والخاص شريكين في تنمية الاقتصاد الوطني وتعزيز الرؤى المشتركة بينهما لبناء قطاعاتهما المختلفة وصولًا للتكامل بينهما، نلاحظ أن كل قطاع يلقي باللوم على الآخر في عدم الجاهزية وفي وضع العراقيل المتبادلة، وقد يحدث ذلك بغير نية مبيتة وبدون سوء قصد، فقط لأن كل منهما لم يعمد لاستكشاف آفاق متطلبات الآخر ويعمد بعد ذلك لوضع خططه وبرامجه من النقطة التي ينتهي إليها جهد الثاني ليتم التواصل المفضي للوصول للأهداف المشتركة التي تمضي بالعمل العام، والجهد العام، والفكر العام، قدمًا للأمام لنقول بعدها إن منظومة التنمية تمضي لتحقيق كل الخطط والبرامج المتفق عليها مسبقًا، وأن النتائج الإيجابية آتية لا محالة على ضوء ما تأكد من صلابة التلاحم والتماسك بينهما.
وإذا لم يحدث ذلك لأي سبب من الأسباب وهذا ما نستشعره الآن على الأقل، فإن الضحية في نهاية المطاف وكأمر حتمي هو الوطن والمواطن، الأمر الذي يتطلب الكثير من العمل لرتق الفجوة وتضييق الثغرة بينهما، وإعلاء وتفعيل وتيرة العمل المشترك من خلال المزيد من المشاورات واللقاءات والحوارات والنقاشات، والتي يطرح فيها كل طرف رؤاه ومرئياته في كل النقاط الخلافية إذا جاز التعبير حتى يتسنى الوصول لسقف الفهم المشترك القادر على قيادة منظومة التنمية الشاملة في البلاد، وبما يوحّد الفكر التضامني الميمم شطره ليصب شهدًا وألقًا في معين رؤية عُمان 2040؛ ليمدها بالزخم اللازم الذي تحتاجه باعتبارها قمة سنام التنمية الشاملة في البلاد.
بلا شك… إن القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه – ما فتئت تعمل وتؤكد على أهمية الشراكة الإستراتيجية الذكية رفيعة المستوى بين القطاعين، باعتبارها المدخل الأوحد القادر على دفع عجلة التنمية الشاملة قدمًا للأمام وتوسيع الخُطا صوب حقول النهضة الشاملة لفائدة عُمان الوطن وأبنائه البررة، غير أن ترجمة هذه التوجيهات السامية وتنزيلها للواقع لا يمضي وفق المسار الصحيح أو لنقل وفق ما ينبغي أن يكون وبنسبة 100%، وهي النسبة الوحيدة المقبولة في هذا الشأن الجلل.
وفي الآونة الأخيرة أضحى انعكاس تراجع النسبة المئوية واضحًا للعيان، الأمر الذي يعني فيما يعني وجود تباعد ما، في مكان ما، وفي مفصل ما معطوب من مفاصل المنظومة المشتركة يتعين إصلاحه أو استبداله في أسرع وقت ممكن.
ومن نتائج هذا الخلل أن يعمل كل قطاع بعيدًا عن الآخر مغردًا في حديقته الخاصة، متغنيًّا بحسنه وبهائه، مشيدًا بذاته وحسن بلائه، وفي ذات الوقت نجد بأن أصحاب الحديقة الثانية أو الموازية يفعلون الشيء نفسه، هنا وإن لم يدرك هذا وذاك بأن هذا الغناء الأحادي، والمجد الانفرادي، لن يفضي في نهاية المطاف إلى ريع يلهم الوطن قدرة المسير فوق الأشواك بغير الإحساس بأي ألم، هذا يعني بأن الأول يفتقر للقوة والصلابة، والثاني أيضًا كذلك، وأن القوة تكمن فقط في الاتحاد ما بين الأول والثاني، ومن ثم توحيد الرؤى وتنسيق الجهود وتوحيد مواضع الأقدام في مسيرة خالدة في مسماها وفي غاياتها وفي توجهاتها الرامية لرفعة هذا الوطن ومد زخم التنمية بطاقات لا تنفد، وبفكر لا ينضب، وبجهود لا تعرف معنى الكلل ولا الملل هذا هو ما ينبغي أن يكون بداية ونهاية.
إذن فإن مراجعة الذات ولا نقول جلدها يجب أن تكون عاجلة وبإشراك أطراف محايدة وحصيفة تعمل على التقريب بين الفرقاء الأوفياء لبعضهما افتراضًا محمودًا، ابتعادًا عن صيغة الزواج بالإكراه الماثلة للعيان كظل لا يغني من اللهب، وبنظرة خاطفة للصورة العامة للواقع المشاهد سنجد وهذه نقطة لا تحتمل الخلاف، بأن المضي قدمًا في الطريق المفضي للتلاحم والتعاضد والتكاتف هو الأحق بالاتباع ولا خيار غيره ولا بعده أصلًا، بعد أن تأكدنا وبما لا يدع مجالًا للشك أن المحصلة النهائية لغير هذه الخيار هو محصلة صفرية مؤكدة.
إذن فإن تلافي هذه الفجوات، والنأي عن هذه المطبات بات أمرًا تُمليه الضرورة الماسة ولا يتعين على أحد أن يفخر ويتفاخر بإنجازاته الأحادية، فالإنجازات الحقة والتي تستحق الاحتفاء والابتهاج هي الإنجازات المشتركة الممهورة بتوقيعات بأحرف من دماء الكل، والمعلنة في كبد السماء عبر شهاب من نار، وهي بذلك تستحق الاحتفاء باعتبارها نتاج وحدة أملتها قدسية نهضة الوطن، عندها يمكننا القول بأن التنمية في معناها الواسع تمضي فعلًا وحقًّا وصدقًا لتحقيق حياة سعيدة وكريمة للمواطن.
بالطبع هناك صيغة ما للمشاركة والتشارك ولكنها تبدو أكثر شكلية، وتتجه إلى زاوية كونها صورية صرفة أو مجاملاتية إذا جاز التعبير، وهذا النمط المراوغ يعطي صورة ذهنية ما زائفة تقول بأن الأمور على ما يرام، بيد أن العكس هو الصحيح في الواقع.
نأمل أن يعمل القطاعان وفقًا للرؤية المتفق عليها والقائلة بضروة الوصول للصيغة التي تحقق الأهداف الوطنية العُليا، والترفع عن صغائر الأمور والنأي بعيدًا عن الإشكاليات والحساسيات عديمة الجدوى والفائدة، فالوقت المهدر في هكذا متاهات لا يمكن تعويضه، لا سيما ونحن نقف أمام قضية تمس تماسك منظومة التنمية الشاملة بالبلاد، وأي ضعف في تماسكها يضعنا أمام خيار أن نكون أو لا نكون، تلك هي القضية ..
علي بن راشد المطاعني