مع بدء الفصل الدراسي الثاني وعودة الطلبة إلى مقاعد الدراسة ، تبدأ مرحلة تكميلية متجددة في حياة الطالب الدراسية وفي جهود وأنشطة وانتاجية المدارس ، لها ظروفها ومعطياتها التي لا تقل أهمية عن بدء العام الدراسي الجديد إن لم تكن أكثرها نظرا لما يحمله الطلبة من تراكمات وأفكار وقناعات قد تكون سلبية في أكثر الأحايين نظرا لارتباطها بنتائج الفصل الدراسي الأول والصورة التي تتركها النتيجة على حياة الطالب الدراسية أو الصورة التي يسقطها بعض المعلمين – قطعا مع عدم التعميم- على الطلبة فيصبح فيها التعامل والاهتمام والاحتواء مرتبط بنتيجة الطالب في الفصل الأول ، ولذلك فإن الآمال نحوها كبيرة والطموحات المرتبطة بها عالية ، والمخاوف والقلق يأخذ نصيبه من التفكير، فهي محطة جديدة محفوفة بالهواجس والتراكمات والسلبيات والمنغصات، ما يدعو إلى أن تمتلك المدارس والهيئات التعليمية والادارية بها من الممكنات والمنهجيات ما يقلل من هذه المنغصات ويضمن قدرتها على تكييف الطلبة للمعطيات التعليمية الجديدة والتركيز على المستقبل المشرق للطالب في إنجاز هذا الفصل القصير في وقته والكثير في محتواه وبرامجه.
فإن محطة تأمل في هذا الفصل لنتائج الطلبة عامة وطلبة الدبلوم العام خاصة تؤكد أهمية هذا المسار وضرورة تبني استراتيجيات تربوية في تغيير القناعات ، ولعل من أفضل هذه الاستراتيجيات ” استنطاق القيم واستنهاض الإيجابية والثقة في حياة الطالب ” وخاصة طلبة الدبلوم العام – لأسباب عدة تتمثل في ، تدني درجة الطالب في الفصل الدراسي الأول، وعدم حصوله على المستوى العلمي المأمول والمشرف الذي يرضى عنه وأسرته، وشعوره بالتقصير وعدم القدرة على مواصلة النجاح، والفشل في المستقبل، وعدم الثقة بالنفس، مما يترتب عليه إن لم تأخذ المدرسة بيده وتحافظ على لاستقرار النفسي والفكري لديه- أن يتجه إلى اللامبالاة والكسل والإهمال وعدم الشعور بالمسؤولية ، وإثارة الفوضى في الفصل، ووجود درجة كبيرة من القلق والتذبذب لدى الطالب، فتنهار قواه الفكرية، وتنسد أمامه أبواب المستقبل ، وتنغلق أمامه مصابيح الأمل، فيتعكر مزاجه، حتى يشعر أنه يدرس بدون هدفـ، وأن الآمال قد تحطمت والأبواب قد أغلقت، وأن الرزق قد قطع عنه، فلا أهمية في دراسة . هذا هو الواقع الذي تشهده المدارس خاصة بعد ظهور نتيجة الفصل الدراسي الأول من كل عام دراسي، وهذه حالة بعض الطلبة والطالبات ، فتزول تلكم الحيوية التي كانت لديهم بعد ظهور نتيجة الفصل الدراسي الأول، ويعتقد الطالب بأن باب الرزق أو الجامعة التي يأمل أن يلتحق بها قد أغلقت أبوابها أمامه، إن هذه الصورة الذهنية السلبية التشاؤمية التي تتكون لدى الطلبة حول المدرسة والحياة والمستقبل وهم في سن الزهور، وبداية الحياة الإنتاجية، فيصبح هذا الفكر ملازما لهم، والنظرة التشاؤمية رديفة لمستقبلهم، تسير معهم أينما ساروا، ويتجهون بها أينما اتجهوا.
من هنا شكلت الصدمات أو الأفكار السلبية المترتبة على نتائج الفصل الدراسي الأول ، في ظلما ارتبط بها من صعوبة بعض الاختبارات والتكهنات التي قد تكون لازمت الطلبة عامة وطلبة الدبلوم العام خاصة ، من أكثر التحديات والمنغصات التي يواجهها الطلبة في الفصل الدراسي الثاني، وتستدعي تبني المدارس لبرامج عمل واضحة ومنهجيات مبتكرة في تهيئة البيئة الداعمة للطلبة في التعامل مع هذه الصدمات والمواقف ؛ وأهمية امتلاك المدارس والهيئات التعليمية والإدارية وعبر لغة الخطاب التعليمي ومساحات الحوار الداخلي لمنهج إدارة التغيير وبرنامج تغيير القناعات السلبية التي يحملها الطلبة وهم يبدؤون فصلا دراسيا جديدا وكلما استطاعت المداس أن تمتلك أدوات استباقية في التعامل مع الأمر ومعالجة التحدي كلما انعكس ذلك إيجابا على مستوى الرضى النفسي والقبول والثقة التي تعزز في الطلبة حس الانتماء ورغبة التعلم وشغف الدراسة وخفض درجة القلق لديه وتعمل على استنطاق قيمه واستنهاض دوافعه واولوياته وحماسه وايقاد شعلة العطاء المتجدد فيه ؛ لذلك يعد موضوع تغيير القناعات من المواضيع الحساسة والمهمة في مسيرة عمل المدارس بشكل خاص لتعاملها مع قدرات ومشاعر وأفكار مختلفة من الطلبة ، وإعادة هندسة السلوك التعليمي بالمدارس وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي تتولد لدى الطالب حول موقعه التعليمي وعن نفسه ومستواه ومستقبله العلمي والوظيفي؛ ومن الأمور التي يجب أن تضعها المدارس في أولويات عملها ، كما ينبغي أن تمنحها الأهمية القصوى في ممارساتها وخططها التنفيذية.
هذا الامر يأخذ في الحسبان الظروف التي تعمل فيها المدارس، وإلي أي مدى يشعر الطالب وهو يدخل بيئة المدرسة أن البيئة المادية والبشرية والكادر الوظيفي بمختلف مسمياته الوظيفية يمتلك لغة تواصلية خطابية فاعلة ومرنة، تستوعب احتياجات الطالب النفسية المتغيرة، وتحرص على أن ينال نصيبه من الاهتمام والرعاية والمتابعة، وأن الجاهزية الداخلية سواء ما يتعلق منها بالحافلات وتوزيع الطلبة في صفوفهم أو القاعات التدريسية ووجود المعلم المتخصص والمخلص الكفء بما يحمله من روح المسؤولية وحس الأمانة قادر على تغيير الصورة وتحويل التكهنات إلى مؤشرات إيجابية ترفع من سقف الدافعية والشغف والرغبة لدى الطالب في التغيير وإعادة هندسة المسار، الأمر الذي من شأنه أن يقوي من روح الإرادة والتحمل والتقبل للواقع بما ينعكس إيجابا على بدء الفصل الدراسي الجديد وإزالة كافة الأوهام والتكهنات التي يتلقاها من أقرانه وأصدقائه وأسرته بدون إدراك لعواقبها وضررها على الطالب.
إنّ التغيير في القناعات عملية منهجية بحاجة إلى مماسة تأملية وأدوات مقننة واستراتيجيات عمل تتقنها ثقافة المدرسة كما تتقنها الهيئات التعليمية والإدارية والفئات المساندة في بيئة التعليم، فهي في مفهومها العام تعني تعديلا في السلوك وحسن توجيه للممارسة بهدف صناعة الأثر الإيجابي في حياة الطالب، لذلك يتوقف نجاح المدرسة في تحقيق بيئة تعليمية منافسة تضمن تحقق أعلى درجات الأمان النفسي والفكري لدى الطالب على كيفية إدارة وإحداث التغيير بفاعلية، لرفع قدرات الطالب وإعادة استثارة الحافز لديه و بالشكل الذي يمكنه من القيام بأداء دوره القادم ومسؤولياته التعليمية في الفصل الدراسي الثاني على أفضل وجه، وتمكينه من الوصول إلى مرحلة الإزهار ورفع مستوى الكفاءة الإنتاجية لديه. وبالتالي لم تعد مسألة تغيير القناعات اليوم حالة مزاجية تفعلها المدارس متى شاءت ، بل أسلوب تربوي في التعامل مع الصدمات وتعزيز منهج الوقاية وعبر استنطاق القيم واستنهاض الإيجابية والارتقاء بالذات المنتجة في شخصية الطالب والثقة في قدراته في الوصول إلى الطموح وتحقيق الهدف، لذلك يجب أن يبنى في ظل إطار تعليمي ينطلق من أبجديات قانون التعليم المدرسي ويستحضر كل الفرص والممكنات التي يجب أن تقوم بها المدارس في سبيل تعظيم السلوك التعليمي المنتج والمنجز في حياة الطالب، لذلك تغيير القناعات مطلوب في المدارس، بهدف تحقيق مزيد من التفاعل والتكيف بين الطالب وبيئة التعليم والتعلم بما فيها من معلمين ومناهج مدرسية وبيئة صفية ومع زملائه الطلبة، بل يتعدى ذلك إلى ضرورة تكوين اتجاه إيجابي نحو نفسه ومستقبله، فالتغيير في أهم مظاهره إنما يستهدف إعادة بوصلة توجيه الطالب نحو وضع أفضل ، يحسن إمكانية استغلال قدراته وكفاءاته ومهاراته، ويستثمر وقته، ويبادر في تحقيق منجزات مناسبة، ويستثمر الإمكانات التي توفرها المدرسة من معلمين أكفاء وبيئة مدرسية تربوية منظمة، ودروس اثرائية وأنشطة تعليمية ومحفزات داعمة لتعليم منتج وتعلم مستدام ويبقى على المدارس وفق إطار تربوي يتسم بالمهنية والاستدامة والتنوع أن تعزّز مسار الاستباقية والحدس بالتوقعات في مواجهة الصدمات، وتعريض الطلبة لمواقف محاكاة مجربة بحيث لا يقتصر دورها على حل المشكلات الموقفية؛ بل أن تنطلق بالطلبة نحو آفاق رحبة من الثقة والإيجابية وتجاوز الإيحاءات السلبية، محطات واستراتيجيات بحاجة إلى أن تجدّد المدارس إلتزامها بها ، وتُحسن إدراك متطلباتها، وتبتكر من الأدوات والبرامج ما تستنطقها في ثقافة المدرسة والصف الدراسي وحركة التفاعلات اليومية في بيئة التعليم والتعلم.
د. رجب بن علي العويسي