إنَّ متابعةً لِما جاء في تغريدتنا عَبْرَ حسابنا في منصَّة «X» الاختناق المروري في مسقط كُلَّ يوم يزداد غلظةً وقسوةً ولا حلول واقعيَّة على الأرض» بتاريخ الـ(17) من فبراير لعام 2025، وما حظيتْ به من مشاهدات تجاوزت (41.300) ألف مشاهد، جسَّدتها التَّفاعلات والرُّدود النَّوعيَّة الَّتي عكستْ حجم الهاجس المروري الَّذي يعيشه المواطن في مسقط والصورة السلبيَّة القاتمة الَّتي باتَ يسقطها الوضع المروري على تفاصيل الحياة اليوميَّة، ما يؤكِّد على أنَّ مسألة تَبنِّي الحلول العمليَّة والواقعيَّة وجديَّة التَّعاطي المؤسَّسي مع هذا الملف تجاوز اليوم حدود الاختيار والمزاجيَّة والانتظار إلى جديَّة العمل وسرعة البدء في وضع هذا الملف في أجندة عمل الحكومة وأولويَّاتها الوطنيَّة، وأنَّ التَّداعيات النَّفْسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والصحيَّة والمهنيَّة على حياة المواطن مستخدم الطَّريق باتَ أكثر من وصفها في مقال أو التَّعبير عَنْها في صفحات.
ذلك أنَّ الطَّرح المستمر لهذا الموضوع عَبْرَ المنصَّات الاجتماعيَّة والشُّعور ببطء التَّجاوب من قِبل جهات الاختصاص وغياب بلديَّة مسقط ومحافظة مسقط الَّتي أوكلتْ إِلَيْها مسؤوليَّة هذا الملف عن مشهد الحراك المُجتمعي حَوْلَ القضيَّة؛ باتَ يطرح تساؤلات كثيرة وتكهنات تبرز حالة التَّغييب الَّتي باتَ يواجهها هذا الملف، والصورة القاتمة الَّتي تفصح عَنْها جهود بلديَّة مسقط، في ظلِّ التَّسارع العجيب من قِبل المسؤولين في التَّصريحات العامَّة دُونَ وجود عمل على الأرض، حيثُ تمَّ الإشارة إلى تصريحات معالي وزير النَّقل والاتِّصالات وتقنيَّة المعلومات حَوْلَ شبكات الطُّرق والجسور والأنفاق وغيرها؛ تصريحات باتتْ تضع المواطن أمام حالة من الترقُّب المملوءة بالتَّعجُّب والاستغراب حَوْلَ الجهة المسؤولة عن شبكات الطُّرق في مسقط؛ وتساؤلات حَوْلَ مصير الدِّراسات النَّوعيَّة الَّتي قدَّمتها الحكومة سابقًا والجهات التَّشريعيَّة مؤخرًا بشأن الازدحام والاختناقات المروريَّة، تساؤلات وردود باتَتْ تؤكِّد الحاجة إلى مراجعة جادَّة وسريعة ومقنعة لهذا الملف، ومزيدٍ من الشَّراكة والعمل الجمعي الوطني والشَّراكات الاستراتيجيَّة مع الفاعلين في القضيَّة المروريَّة، وتَبنِّي سياسات بالتَّفكير خارج الصُّندوق عَبْرَ الاستفادة من التَّوَجُّهات العالَميَّة في الاستثمار في البنية الأساسيَّة وشبكات الطُّرق والنَّقل العام، وتعزيز حضور الشَّركات العالَميَّة الَّتي يُمكِن أن تصنعَ الفارق وتحققَ التَّحوُّل المنشود في هذا الجانب.
على أنَّ ما تمَّتِ الإشارة إِلَيْه من أفكار ووجهات نظر، وما تمَّ طرحه من بدائل وحلول حَوْلَ هذه التَّغريدة وتغريدات أخرى لنَا مماثلة؛ باتَتْ تتَّجه في ظلِّ تصنيف المشاهدة الأكثر لها نَحْوَ أولويَّة وجود تخطيط طويل الأمد يشمل شبكات الطُّرق وتطوير النَّقل العام، وتحسين البنية الأساسيَّة، وإعادة هيكلة أنظمة العمل. بالشَّكل الَّذي يرفع من كفاءة شبكات الطُّرق الحاليَّة، وزيادة حارات المسارات الرَّئيسة، بالإضافة إلى التَّركيز على النَّقل العام وإيجاد وسائل نقل بديلة كالقطارات والمترو وغيرها، في الوقت الَّذي تحتاج فيه هذه الجهود إلى حوكمة هذا الملف وعَبْرَ منظومة أكبر للمتابعة والرَّقابة مُعزَّزة بإرادة وطنيَّة حكيمة ونافذة، وقرار استراتيجي مسؤول، ونقل هذا الملف من التَّنظير والتَّصريحات وعقدة الموازنات إلى التَّطبيق والفعل الممارس واستقطاب الشَّركات العالَميَّة المستثمرة في البنية الأساسيَّة، وبالتَّالي يُمكِن قراءة هذه الرُّدود وتصنيفها في جملة المجالات الآتية: مجال التَّخطيط العمراني الحضري وهندسة شبكات الطُّرق والبنية الأساسيَّة؛ ومجال برامج التَّوعيَّة والتَّثقيف والسِّياسات الإعلاميَّة؛ ومجال النَّقل العام والمواصلات المتكاملة والوسائل البديلة المتطوِّرة؛ ومجال الإجراءات الإداريَّة والتَّنظيميَّة للمؤسَّسات ولوائح العمل ذات العلاقة؛ والإدارة الإلكترونيَّة وتوظيف تقنيَّة الذَّكاء الاصطناعي ونُظُم الاستشعار عن بُعد في إدارة الحركة المروريَّة؛ والسِّياسات والتَّشريعات والإجراءات المروريَّة العامَّة بسلطنة عُمان؛ ونُظُم التَّأمين والضَّرائب والجزاءات والحوافز؛ وثقافة الأفراد بمختلف الفئات والأعمار والعمالة الوافدة وقناعاتهم الشَّخصيَّة؛ ومقترحات ورؤى تطويريَّة أخرى تتعلق باللامركزيَّة والعاصمة الإداريَّة الجديدة، وغيرها كثير.
وعَلَيْه يُمكِن إجمال بعض هذه الأفكار والمقترحات فيما يأتي:
o إعادة هيكلة بنية الطُّرق والشَّوارع في مسقط لتواكبَ نُمو الحركة السكَّانيَّة من حيثُ توسعة عدد الحارات في جميع الطُّرق المؤدِّية إلى الخطوط الرَّئيسة بمحافظة مسقط بما لا يقلُّ عن (6) حارات في الشَّوارع الوطنيَّة و(3) حارات في الشَّوارع الدَّاخليَّة وبخاصَّة في ولايات السِّيب وبوشر والعامرات الأكثر في الكثافة السكَّانيَّة، بما يُسهم في انسيابيَّة الحركة المروريَّة واستيعاب الأعداد المتزايدة للمَركبات؛ وتَبنِّي سياسات أكثر وضوحًا في نقل بعض المؤسَّسات وتوزيعها في المناطق الشَّماليَّة بمحاذات منطقة المعبيلة وحلبان والمناطق القريبة مِنْها والحيلولة دُونَ تجميعها في أماكن مُحدَّدة مع ضمان قُربها من الشَّارع الرَّئيس، وإيجاد مسارات بديلة للطَّوارئ وزيادة عدد المخارج والجسور والمنافذ من الطُّرق الرَّئيسة وطُرق الخدمات.
تَبنِّي سياسة وطنيَّة متكاملة وحديثة في النَّقل العام وشبكة المواصلات العامَّة بمعايير واشتراطات تتناسب وطبيعة التَّحوُّل الحاصلة في مسقط وتستجيب للكثافة السكَّانيَّة المتزايدة فيها، والتَّسريع في تأسيس بدائل للنَّقل الحديث، مِثل القطار والمترو والنَّاقلات الكهربائيَّة الشَّبيهة بالقطارات، ويُمكِن للحكومة طرح هذا الأمْر للاستثمار والمنافسة عَلَيْه من قِبل الشَّركات العالَميَّة المُتخصِّصة، حيثُ تعمل في إطار التَّسويق لهذه المشاريع بِدُونِ أن تتكلفَ الدَّولة مبالغ إنشائها؛ بحيثُ تمنح الشَّركات المُتخصِّصة الَّتي يرسو عَلَيْها المشروع بعض الامتيازات والتَّسهيلات لِمُدَّة (30) سنَة مثلًا يكُونُ للحكومة فيها نسبة من الإيرادات الصَّافية، وهنا يكُونُ قَدْ حقَّقتِ الحكومة جملة من الأهداف النَّوعيَّة والفرص الدَّاعمة للاستثمار في البنية الأساسيَّة وشبكات الطُّرق والنَّقل العام والنَّقل البديل.
مراجعة سياسات التَّخطيط العمراني والإسكاني الحاليَّة المعمول بها في محافظة مسقط تحديدًا والتَّداخل الحاصل بَيْنَ المباني السَّكنيَّة والتِّجاريَّة والمؤسَّسات ودخول المناطق الصِّناعيَّة في الأحياء السكنيَّة ـ كما هو حاصل في المعبيلة الجنوبيَّة ـ، والتَّوَسُّع على تأسيس مُدُن ذكيَّة متكاملة قادرة على احتواء سكَّانها وتوفير نمط السَّعادة المناسب لهم، وتَبنِّي سياسات أكثر وضوحًا في نقل بعض المؤسَّسات ذات الكثافة العمَّاليَّة العالية، وكذلك المؤسَّسات التَّعليميَّة وتوزيعها في المناطق الشَّماليَّة بمحافظة مسقط والحيلولة دُونَ تجميعها في أماكن مُحدَّدة مع ضمان قُربها من الشَّوارع الرَّئيسة.
التَّأكيد على تَبنِّي سياسات وطنيَّة مستدامة في أنظمة العمل والدوام الرَّسمي مِثل العمل عن بُعد وساعات الدَّوام المَرِنة والعمل الهجين بَيْنَ العمل عن بُعد والحضوري للموظَّفِين والإجراءات المرتبطة بالاجتماعات والطَّلبة والاختبارات، وتغيير دوام الهيئات والمؤسَّسات الحكوميَّة أو بعض دوائرها بفارق زمني لا يقلُّ عن ساعتَيْنِ مع فتح الدَّوام المسائي للمؤسَّسات الَّتي تُقدِّم خدماتها للمراجعين، وفق آليَّات واضحة ومعايير علميَّة مناسبة تحقِّق الهدف من هذا التَّوَجُّه على الأرض، مع تَبنِّي تشريعات وأنظمة عمل تراعي قياس التزام الموظف في عمله بمستوى أدائه ومعدَّل إنتاجيَّته، وليس فقط بعدد السَّاعات الَّتي يقضيها في وقت العمل أو الحضور والانصراف.
تقنين وضبط نظام رخص القيادة الحاليَّة الممنوحة للوافدين في ظلِّ تعدُّد الفئات المستفيدة بحسب التَّغييرات المستجدَّة في القوانين وإجراءات العمل ودخول فئات أخرى من أصحاب المهن خارج إطار المعادلة، ناهيك عن ارتفاع استخدام الوافدين في وظائف التَّوصيل والطَّلبات اليوميَّة الَّتي باتتْ تجوب شوارع مسقط ليل نهار، هذا الأمْر يتَّسع في ظلِّ ارتفاع العمالة الوافدة المتكدِّسة في مسقط بسبب مركزيَّة الخدمات والقِطاعات الخاصَّة، الأمْر الَّذي يستدعي مراجعة جادَّة للقوانين والإجراءات المعمول بها في هذا الجانب، وإيجاد معايير أخرى أكثر دقَّة ترتبط بتعميق السُّلوكيَّات والممارسات السَّليمة لقيادة المَركبة.
تَبنِّي سياسات ناضجة في أنظمة تخطيط وتنفيذ وإصلاح ومعالجة الطُّرق من خلال توفير مواصفات فنيَّة وقياسيَّة عالَميَّة في تصريف المياه، والحدِّ من التعرُّجات والمنحنيات، والالتزام بإحرامات الشَّوارع وتوسيع مسافة بعد المساكن عن الطُّرق الرَّئيسة بما لا يقلُّ عن (400) متر تعالج في إطار جاهزيَّتها لاستخدامات الطَّريق عِندَ الحاجة؛ وإلزام الشَّركات والمؤسَّسات العاملة في صيانة الطُّرق بتنفيذ مهامها في الوقت المُحدَّد وتنفيذ طُرق بديلة مرصوفة تتوافر فيها مواصفات مناسبة لحين الانتهاء من أعمال الصِّيانة له، بالإضافة إلى إيجاد حلول فنيَّة هندسيَّة سريعة ومستدامة وذات جدوى لبعض بؤر الاختناقات الحاليَّة الَّتي تظهرها الأقمار الاصطناعيَّة، وتوفير لوحات إلكترونيَّة وأنظمة استشعار عن بُعد قبل الدُّخول للطُّرق الرَّئيسة التَّقاطعات تظهر فيها نسبة الاختناقات لمساعدة مستخدم الطَّريق من تغيير مساره.
د.رجب بن علي العويسي