لقد وجد أبناء عمان في سياسات وطنهم وحدتهم وقوتهم وموقعهم في هذا العالم، ووجدوا في احتواء قيادتهم الحكيمة ورعايتها لمشاعرهم ووقوفها مع الثوابت والمبادئ والقناعات الَّتي تأصَّلت فيهم كجزء من عقيدتهم الإيمانيَّة والوطنيَّة والإنسانيَّة حياتهم السعيدة، ونهضتهم المجيدة، وولائهم المتفرد خلف قيادتهم بلا شقاق ولا فتن، فبنو من أجل عمان آمالهم، وامتطو في ظلها أحلامهم، لقد تحدث التاريخ عن علماء أفذاذ، رووا لعمان قصص النجاح والتميز والتقدم والتنمية والتنوير الفكري بين أطباء وفلاسفة وفقهاء وشعراء وفلكيين وعلماء اللغة والنحو والحديث وغيرهم كثير، وأبناء عمان الأماجد يروون اليوم حكاية عمان في تميزهم ونبوغهم وعطائهم المستمر ومنافساتهم التي أذهلت الجميع، وأبرزت قوة ما يحمله أبناء عمان لوطنهم من فكر مستنير ورغبة في نيل المعالي، ليكون لهم بين أبناء العالم شأوا ومنزلة، ومساهمة وأثرا، لذلك فإنّ ما يعبر به أبناء عمان من حب وتفاخر بعمان، إنما هو تعبير عن مسؤوليتهم واخلاصهم لوطنهم وحرصهم على أمنه وأمانه وسلامته واستقراره، يدركون ذلك في ظل حكمة ويتفاعلون في إطار وعي، إنهم يجدون في وطنهم منابر الحوار المتعدد، ومنطلق الحكمة والاتزان في قراءة المستجدات والأحداث، يتناولونها في ظل معطيات ويقدمونها من خلال مؤشرات وأدلة وبراهين، تعميقا لهوية عمان المتفردة وخصوصيتها المتميزة، التي يجد فيها العالم المعتدل المحب للسلام والاستقرار والتعايش والحوار والتنمية ، قدوته الحسنة، ونموذجه السليم في إدارته للمعطيات أو تناوله للأحداث، إذ لعمان فيها كلمة ولإدارتها مبادئ معروفة قائمة على العدالة والتوازن والتكامل والتسامح والحق والواجب والأمانة التأريخية والمسؤولية الأخلاقية ، لذلك فهم يضعون وطنهم وتشريعاته وأنظمته وقوانينه ، مدخلهم في تعاملهم مع أحداث العالم أو مروجي الكلمة أو غيرها التي تظهر بين فترة وأخرى عبر منصات التواصل الاجتماعي أو الواتس أب أو غيرها من القنوات التي تحاول أن تنال من قوة وطنهم وهويته وخصوصيته، كما أن غضبهم وانزعاجهم نحو وطنهم عندما يمس بسوء؛ إنما هو إرادة الفطرة السليمة التي ترى في الوطن حياتها المطمئنة ، لذلك تجد حرصهم على أن يكون وطنهم أولوية، يحترمون منهجيته، ويسيرون في إطار نهضته، ويتعاملون مع المستجدات بوعي ومهنية راقية وتبّصر وعدم انجراف وراء رداّت الفعل السلبية، لقد نصت قوانين وطنهم على عدم التدخل في شؤون الغير، والحفاظ على وحدة الوطن وسلامة أراضيه واجب مقدس، وأولوية السلام في البناء والتطوير، وتعميق المشترك الإنساني، إن تعاملهم مع وطنهم قائم على فهم العلاقة الحميمية المتزنة التي ترسمها معاني الحياة النبيلة وترقى بها الأنفس الراقية، فالوطن عندهم خط أحمر أجمعوا على عدم المساس به أو المساومة عليه ، والدخول في مهاترات مشككة مع أي أحد بشأنه، كما اتفقوا على أن يكونوا خير سفراء للتنمية والسلام والعطاء وحب الأوطان ، وطنهم مقدس، واحترامه واجب، ومبادئه مجابة، والسعي لتطويره ونهضته مسؤولية مشتركة، وحماية ممتلكاته ومقدساته عنوان الذوق السليم، والمشترك الوطني من القيم والتقاليد والعادات الصحيحة مصونة في النفس والقلب ومحفوظة في الذاكرة والعقل.
لقد أدرك العالم هذه الحقيقة المتوازنة، والنظرة بعيدة المدى لعمان، من أجل واقع تسوده الطمأنينة وترفرف على أروقته أجنحة السلام، وهم ينهجون من تعاليم دينهم وحكمة قيادتهم الحكيمة، وحضارة عمان وثقافتها، مسارهم في الحياة وإدارة نظم الدولة، فالمعطيات والتحديات والممارسات الأخرى، شأن داخلي يستطيعون خلاله تقييم أوضاعهم ورسم بدائل التطوير، والانطلاق منها كمعيار للتقييم والمراجعة والتصحيح وتقويم مسار العمل، لذلك فإن حملات التشويه الممنهجة التي باتت تساس وتستهدف سلطنة عمان في سياستها الثابتة المتوازنة ، النابضة حبا للإنسانية، والناضجة فكرا ونهجا وتطبيقا؛ المحافظة على درجة التوازنات في قراءة المسار السياسي والإنساني في تناغم وتمازج يصنع من السياسة العمانية روح التغيير الإيجابي وحس الإنسانية الصادقة بما يجمعها من مشتركات.
وشكّل الانتماء الخليجي والعربي والعالمي أحد أهم مرتكزات المواطنة العمانية ومحددات الخصوصية والسمت العماني، فقد جاء إيمان الانسان العماني بقضية الأمة المصيرية ” فلسطين العروبة والإسلام”، نموذج الإنسانية الراقية ، في زمن تغتصب فيه الحقوق وتباد فيه المروءة وتضيع فيه الأخلاق وتنجس فيه المبادئ وتراق فيه الدماء، ليظل نهج أبناء عمان وسام شرف وفخر لكل الشرفاء، أصحاب الحق والنضال المقدس في هذا العالم. الأمر الذي يتقاطع مع غوغائية الصورة التي كشفت عن الوجه الآخر الذي تعيشه بعض بلدان المنطقة ، والصورة الغامضة التي تمارسها في قراءتها لهذا العبث، في دعمها لهذا الكيان الغاصب سواء بالقول والفعل والحسابات الوهمية والذباب الالكتروني الذي بات يمارس دور الحرب بالوكالة لصالح العدوان ، وهي صورة باتت تعبر عن حالة التناقضات وعدم الاستقرار وغياب الثبات في سياسات تلك الدول، وعدم وضوح مسار سياساتها اتجاه أهم قضاياها وأدقها ,اخطرها، في حين اثبتت مواقف سلطنة عمان السياسية والدبلوماسية والدينة الشعبية وقوفها مع الشعل الفلسطيني في حرب الإبادة التي يواجهها من قبل الاحتلال الصهيوني ، والإجراءات التي اتخذتها سلطنة عمان والمواقف التي أكدتها على المستوى الخليجي والعربي والدولي في وقوفها مع الشعب الفلسطيني وضرورة محاكمة إسرائيل وتحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته الأخلاقية والإنسانية في وقف العدوان وانسحاب اسرائيل من كافة الأراضي المحتلة وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيرة وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس، الأمر الذي لم يعجب المتصهينين المسيئين للإنسانية والعروبة والأخلاق، حتى باتوا يتسلطون بألسنتهم القذرة وأساليبهم الوقحة على مواقف سلطنة عمان الحكيمة ومصداقيتها سياستها الخارجية المتناغمة مع مبادئ الحق والعدل والمساواة، ورموزها السياسية والدينية ؛ ليثبت العمانيون بمواقفهم الحكيمة ومبادئهم السامية وأخلاقهم الرفيعة أنهم فوق هذه النعرات الجاهلية والأفكار المنتنة والأساليب الصبيانية والأحكام الخرقاء، يتسامون فوق صيحات الخلاف ويسمون إلى مدارك العلا والرفعة، ويعلون فوق دنايا الانبطاح ونعيق المتصهينين. إن الإنسان العماني شخصية متزنة في أفكارها وفي توجهاتها وفي تحليلاتها وفي نصرته للأمة وقضاياها، والعمانيون يؤمنون بأن فلسطين قضية دينية وفكرية وإنسانية وأخلاقية وليست مجرد حالة سياسية ولقاءات بروتوكولية، إنها قضية الشرفاء، وصناع المجد والحضارة، والعزة والكرامة، لا يصح التخلي عنها لأي ظرف سياسي أو اقتصادي أو المساومة عليها أو بيعها، ولأن العمانيين أصحاب خلق ورجال نخوة وسمت ونصرة للحق ، فلم يقبلوا بالمهانة وذل التطبيع، ولم يرضوا بالدناءة وعار التصهين.
عليه وفي إطار استقراء الحدس بما يكنه مستقبل هذه الحرب العبثية من غموض، وفي يحمله هؤلاء الصهاينة من عقيدة الاجرام والانتقام، والبحث عن كل الثغرات التي تتيح لهم تنفيذ أهدافهم الإرهابية الدنيئة ونشر الفرقة وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، أو استخدام كل وسائل التدليس ومرتزقة الاعلام والمتصهينين الذي يخدمون الكيان الصهيوني في تمزيق وحدة الأمة في النيل من كرامة سلطنة عمان أو تشويه صورة الرأي العام نحوها عبر اتهامها بنقل السلاح أو المسيرات إلى أرض اليمن الشقيق ، وحجم التجييش الالكتروني في المنصات الاجتماعية وبيع الضمائر وشراء الذمم التي يستخدمها العدو في حملاته التشويهية والإعلامية الموجهة ضد مواقف سلطنة عمان العظيمة ووقوفها مع الشعب الفلسطيني فيما تقره الأعراف الدولية والأمم المتحدة، واستخدام الهشاشة الفكرية للشباب الباحثين عن عمل والمسرحين في المنصات الاجتماعية في أغراض سياسية، أو غيرها من الممارسات مع إيماننا العميق بأن الانسان العماني أثبت للعالم أجمع كفاءته في إدارة هذه الاحداث والتعامل مع هذه الازمات وطريقة تفاعله مع ما يتلقاه عبر هذه المنصات من أفكار أو يتداول من معلومات أو يشاع من أحداث أو يوجه من اشاعات وتحريضات ومساومات تتعرض لسياسة سلطنة عمان المتوازنة ومصداقيتها، وتمس الثوابت العمانية القائمة على في التدخل في الشؤون الداخلية للغير وحل النزاعات بالطرق السلمية وتغليب لغة الحوار وتعزيز المشتركات لبناء مجتمع السلام والأمن والتنمية والاستقرار .
أخيرا تبقى اليقظة الفكرية للإنسان العماني اليوم خيوط اتصال تتناغم مع يقظته الوطنية والأمنية، وأن تتبني منظومة الحس الأمني ورفع درجة الجاهزية الأمنية الوطنية سيناريوها ت محاكاة ذاتية في التعامل مع أسوء الاحتمالات التي قد تحصل في ظل استمرار العدوان الصهيوني على غزة والتجييش الالكتروني الذي يراد منه زعزعة الاستقرار وخلق حالة العداء وعدم الثقة بين الشعوب العربية وفتح المجال للمهاترات الفكرية والسياسية التي باتت تلقي بضلالها على حالة الوهن العربي والإسلامي ، والصورة السلبية التي بات يسقطها المتصهينون العرب والخليجيون ممن يخدمون الكيان الصهيوني على سلطنة عمان ورموزها السياسية والدينية والاجتماعية، ما يؤكد اليوم على أهمية أن يدرك كل مواطن عماني مبررات حملات التشويه الذي يراد لهذا الوطن العزيز وثوابته ولحمته ونسيجه الاجتماعي ووحدته الوطنية وسلامه الداخلي.. حفظ الله سلطنة عمان من كل شر ومكروه.
د. رجب بن علي العويسي