– أمسك كلبك يا (…) ناس ما تستحي مربيه الكلاب داخل بيوتها .
يصرخ بتلك العبارة وهو يتلفت يمنة ويسرة لعله يجد حجراً أو عصاً يضرببها ذلك الكلب ، وعندما لم يجد ما كان ينشده ، رفع دشداشته إلى مستوى الركبتين ليطلق قدميه للريح .
– وين رايح تعال ما تخاف هذا كلب أنيس ما يكدع أرجع يا …
من بعيد دون أن يكلف نفسه عناء الالتفات إلى مصدر الصوت يرد على محدثه …
– روح لعب أنت وكلبك ، خليه ينفعك ويلحسلك (…) يقهقه بصوت عال وقد اعجب بالكلمة الأخيرة ثم يواصل هرولته حتى يختفي عن الأنظار وقد تلاشى جسده النحيل في عتمة الليل ولم يبق منه غير ضحكة تتفتت في الفراغ .
منذ قدومه اليها شاهد مدينة عجيبة كانت الأشجار فيها تنحني لتظلله والسماء تمطره بلوراً وطيوراً مختلفة الألوان مدينة شفافة ، الريح فيها تحمل العطور والصبايا يتعلمن العشق قبل سن الطمث ، والكلاب تدخل من باب ضامرة البطن ثم تخرج من باب آخر منتفخة البطون وبجوارها تمشي فتاة حسناء ، ومما آثار دهشته هو أن الكلاب تكون مهذبة عندما تقودها النساء ، وتبدأ في تحريك ذيولها علامة الرضى ، تبدأ في لعق ساق المرأة التي تمسك بالسلسلة المعلقة في رقابها ، أقتربت منه امرأة جميلة وما إن هم بمصافحتها حتى هب كلبها المدلل يدافع عنها بنباح عال (هو ، هو، هو ، هوووووووو ) لم يتمالك نفسه وسقط على الأرض مغشياً عليه وحلم في غيبوبته أنه يتجول في المدينة ، وقد شاهد نساء سمراوات وشقراوات ، نساء شابات كل واحدة منهن تمسك سلسلة ذهبية في آخر السلسلة كلب جميل مكسو بالشعر ومن أسرة عريقة ، وينتعل حذاء جميلاً غالي الثمن وعلى رأسه قبعة حمراء مزركشة وعلى صدره علقت صورة صاحبته على شكل قلب مجروح كتب عليه من الجهة الثانية (أحبك يا كلبي المطيع ) وفي ذيل الكلب علق جرس يصدر بعض الأصوات المنغمة ، وذهب به الحلم بعيداً فقد شاهد أحد الكلاب وهو يتحدث عبر الهاتف النقال، (ليتني كنت كلباً مهذباً) كان لا يزال ملقى على الأرض وهو يهذي بتلك الكلمات عندما نهض مفزوعاً على يد قوية تهزه وصوت أجش يقول له (لماذا كنت تتمنى أن تتحول إلى كلب ، ألا يكفي ما لدينا من الكلاب ؟)
نهض مبتعداً وأخذ يمشي على مهل دون أن يلتفت إلى الرجل الواقف أمامه ،وفي زاوية بعيدة جلس ليستريح بعض الوقت وقد فكر أن هناك ثمة تواطؤ يربط بين نساء المدينة وكلابها وأن الرجال هنا تحولوا إلى قطعان من الكلاب المهجنه تقودها النساء ، اختلطت الأفكار في رأسه وهو لا يعرف إلى أين يمضي ، نظر إلى الساعة في معصمه ووجدها تشير إلى زمن متوقف لا ينتمي إلى تاريخ معروف ، أخيراً قرر اختيار أكثر الأماكن زحمة ليختلط بالناس ويرتطم باجسادهم ويشم رائحة النساء والعطر الذي يعطرن به كلابهن المدللة ، وقد استوقفته إحدى النساء وهي تجر خلفها جرو صغير لكن ذلك الجرو فتح فمه وكشر عن أنيابه البيضاء اللامعة ، هذه أول لسعة يحصل عليها في هذا المكان وشعر بنفسه كلباً صغيراً ضائعاً ومنبوذاً ، أسند ظهره على أحد الأعمدة وهو يقول لنفسه ( إنني لست سوى حمار ظل الطريق ) وأخذ يقارن بين المدينة والقرية التي جاء منها وهو جالس على المقعد الخلفي لسيارة الأجره ، وقد راح في سبات عميق يحلم بمدينة تتمخطر الكلاب في شوارعها ، تنبح كل من يحاول الاقتراب من المنازل المتراصة بجوار بعضها البعض ، وبعد الغروب تزدان الشوارع بالأنوار والعربات ذات الاحجام المختلفة ، وهي تجري منذ الصباح وحتى الفجر اليوم التالي في حركة لا تهدأ ، وقد نام الرجال بجوار زوجاتهم بعد معركة شرسة على الفراش ، والأبناء يتابعون أفلام الإغراء عبر أشرطة الفيديو أو المحطات الفضائية ، وأحاديث هاتفية تستمر حتى الصباح تدور بين الشباب والفتيات تناقش فيها موضوعات الجنس بين الرجل والمرأة ، ليل المدينة لا يشبه ليل القرية أبداً ، تلك لا تعرف الظلام والعشاق لا يستطيعون عد النجوم أو التمتع بجمال القمر أما الثانية فإن الليل فيها مثل الغمامة السوداء تنتشر في الفضاء الرحيب باسطة وشاحها القاتم على منازلها الصغيرة ، وساكبة على طبيعتها لمعان النجوم وثرثرة القمر الرائع ذلك هو ليل القرية التي ينام أهلها بعد أذان العشاء أو بعد مباشرة النساء، ولا ينهضون من النوم إلا بعد سماع صوت المؤذن يعلن عن صلاة الفجر (الله أكبر..) لينهض الجميع وقد امتلأت أجسادهم حيوية ونشاط .
هكذا كان يتذكر آخر الأحداث والمقارنة بين ليل المدينة وليل القرية الوادعة التي ربما تتحول في يوم ما ، إلى مدينة كبيرة تتمخطر الكلاب في شوارعها ، ودعا الله صادقاً ان لا يتحقق شيء من ذلك وهو يفكر باحثاً عن السبب الذي يجعل من بعض البشر يقومون بتغيير جلودهم بمجرد ذهابهم للعيش إلى هناك وينسون كل القيم التي تربو عليها ، ويتخذون من الحضارة شعارات كاذبة ، لأنهم انبهروا بالقشور وتركوا الجوهر ، يفعلون ذلك خوفاً من أن ينعتهم البعض بالتخلف ولكن لماذا يربون الكلاب في منازلهم هل يفعلون ذلك للتباهي أم للحراسة وما الشي الذي تحرسه تلك الكلاب ؟ الرزق الحلال لا يحتاج إلى حارس يحميه ، والشباب من الجنسين لديهم أجهزة الهواتف والإنترنت للترفيه عن رغباتهم الجسدية ، ربما اللص يخاف من اللصوص الأذكاء منه والذين يهربون البنات من النوافذ ، أفكار غير ثابتة تتحرك في عقله وعشرات الأسئلة تدور في رأسه دون أن يجد لها إجابة شافية تريحه من التفكير ، يبتسم في سخرية وقد تذكر تلك العبارة التي قالها لصاحبه الذي يعيش في المدينة عندما ذهب لزيارته ووجده قد قام بتربية الكلاب ، لكنه هرب منه بعدما وصفه بذلك الوصف المشين ولكن ، أليس من الممكن أن تكون هي الحقيقة ولكن البعض يخاف من البوح بها ، تتقاذفه الأوهام غير قادر على التوصل لمعادلة يستطيع بها فك شفرة تلك الألغاز ، يحس بالضعف عندما يتأكد أنه لا يزال يخاف الاقتراب من الكلاب بالرغم من وجودها بين رعاة الأغنام ، الذي ينتشرون على مشارف القرية ، ولكن هؤلاء يتخذونها لحراسة ماشيتهم ، أما في المدينة فأنهم يستخدمونها لأشياء أخرى ، يقشعر بدنه ويضطرب حين يراها واقفة أمامه وهي تلهث من التعب متخيلاً أياها تستعد للفتك به ، الوساوس تغزو عقله ، وحين ينام يجدها واقفة على رأسه يحلم بها تنهش جسده ليستيقظ مذعوراً ، وهو يتصبب عرقاً ولا يجد حلاً يساعده في إبعاد تلك الكوابيس ، لكي لا تعاود في الظهور مرة أخرى ، السماء تضيق في نظره، أتعبته وهو يحدق إليها منذ أن فقس خارجاً من البيضة مصفقاً بجناحيه مثل الديك لتستقبله شعاب الأرض وتشرع له الجهات أبوابها ، ربما تأت فرصة أخرى ليذهب إلى أحد المتاجر التي تبيع وتروج لتلك الكلاب ليسألهم عن الخصائص التي تميزها عنه وتجعلها محط ترحيب من نساء المدينة ورجالها ويوفرون لها العناية والرعاية ربما لا يحصل عليها عدد من البشر ، ويقدمون لها أطيب الطعام ويقلدونها سلاسل ذهبية وربما يلبسونها (البامبرز) و (الألويز) ليته كان كلباً صغيرا ذا شعر طويل أبيض يشبه خيوط القطن وينام على فخذي إحدى الفاتنات من بنات المدينة ، تأخذه النشوة ثم ينزل مسرعاً بعدما أسكره ذلك التمني ليدخل إلى دورة المياه ويقذف نطفتين هي كل ما تبقى له في ذلك اليوم الذي شارف على الرحيل ، ثم يخرج بعد الاغتسال وقد شعر بالراحة الكبيره لكنه سرعان ما يحس بالذنب والضيق ثم ينام مستغفرا الله عما فعل.
بدر بن عبدالله بن حبيب الهادي
#عاشق_عمان