كنت قد كتبتُ مقالًا سابقًا حول نفس الموضوع، واليوم أرى أنه من الضروري والواجب الأخلاقي عليَّ وعلى كل الكتاب والمفكرين أن يُسلِّطوا الضوء على هذا الأمر، فجيل اليوم ينظر إلى مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الطلبات المختلفة (معروفة لديكم) بنظرة مركزة ويرغب في تحقيق كل ما يروه في هذه المواقع دون مراعاة أو تأمل أو حساب.
إن الناس تشتكي اليوم من ضيق الحال وقلة الموارد المالية، فيما نرى أولادهم يطلبون طلبات عجيبة وغريبة وتافهة في نفس الوقت، ولا يُظنَّن أحدكم أن هذا الأمر خاص بأولاده، وإنما الأمر عام وشامل للفقير والغني، لقد زاد الترف لدرجات غير مسبوقه وتسهلت السبل في جلب الطلبات البعيدة والصعبة برسالة واتساب أو تطبيق وأصبح كل شيء قريب ومتاح، وهنا أتذكر دعوة النبي الكريم ﷺ حين قال: “اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم” إنها توجيه أخلاقي ورؤية استشرافية لمآلات الترف إن استمر دون وعي، فالرخاء قد يعمي البصيرة، ويصنع أجيالاً رخوة لا تقوى على مواجهة أبسط التحديات، فينهار معها البناء وتضيع بسببها الخطط وتتفاقم الأوضاع المادية على الأسر والعوائل وحتى الدول.
الخشونة في العيش ليست دعوة للتقشف القاسي أو الحرمان، بل هي تدريب على الصبر والتأقلم والاعتماد على الذات في حالة تغيرت الأحوال، إنها طريقة لبناء النفوس القوية التي لا تنهار أمام الفقد أو الجوع أو الشدة، لأنها جَرَّبَت من قبل وتأقلمت واستعدت، ولنا في التاريخ عبرة وفي تغيير أحوال البلدان والعوائل الكبيرة درس لا يمكن تغافله.
ولا تعتقدوا أن هذا الترف وما سيؤدي إليه من دمار مقتصر على أسرة أو عائلة، وإنما قد تنهار معه دول برمتها، ولكن الأسرة نواة المجتمع والدولة، ومن يتربى على الترف وعدم المبالاة سيتعود عليها وستصبح منهج حياة، وعليه مع التضخم الحاصل والتسريحات وقلة الأعمال والتغييرات المناخية والحروب التي تدور حولنا سنواجه تحديات وعقبات قد لا نقوى عليها، لذا علينا أن ننتبه ونستحضر التوجيه النبوي، ونربِّي أبناءنا على المسؤولية والبساطة وعلى تقدير النعمة لا الاستهتار بها، وعلينا أن نُروِّض الشهوات وتطبيق قاعدة (كلما أشتهيت اشتريت).
قَدِّروا ما في أيديكم، وتذكروا أن النعمة لا تدوم، وأن القلوب التي تُربَّى على الشدة لا يضرها تقلب الزمان ولا تعاقب الأحداث والأهوال، ودمتم ودامت عُمان بخير.
د. خالد بن علي الخوالدي

