كُلَّ الصَّرخات الَّتي خرجتْ من أعماق الإنسانيَّة في فلسطين وغيرها من البلاد العربيَّة في مختلف قضايا أُمَّتنا العربيَّة اليوم هي مناشدة للتَّاريخ وليس للعرب، لكنَّها محاكاة لتلك الصَّرخات التَّاريخيَّة مِثل صرخة امرأة عموريَّة الَّتي استصرختِ الخليفة العبَّاسي المعتصم، وكمناشدة الزَّهراء السقطريَّة الَّتي استصرختِ الإمام العُماني الصَّلت بن مالك الخروصي. اليوم هناك صرخات متعدِّدة تنطلق من الأعماق ومن قلوب الثَّكالى واليتامى والأبرياء ولم تجدْ لها أصداء، فلا يوجد هبَّة المعتصم ولا هبَّة الصَّلت، فلله الأمر.
اليوم يتحدث رئيس الولايات المُتَّحدة للإعلام بالرَّغبة في فرض السَّيطرة على قِطاع غزَّة، ويقول بسُلطة الولايات المُتَّحدة؟! هل سُلطة الولايات المُتَّحدة بفرض الأمر الواقع على الدوَل والشُّعوب؟ وهل هذه هي القِيَم الإنسانيَّة والسِّياسيَّة للدَّولة الأُولى الرَّاعية للسَّلام العالمي، والَّتي يُفترض أن تحافظَ على الأمن والسِّلم الدّوليَّيْنِ الَّلذيْنِ أُسِّستِ الأُمم المُتَّحدة من أجْلهما؟! هل مَنْع الوفد الفلسطيني من حضور اجتماعات الجمعيَّة العامَّة للأُمم المُتَّحدة سيُحقِّق كُلَّ الأجندة الصُّهيونيَّة؟!!
القضيَّة الفلسطينيَّة منذُ (77) عامًا، وهناك حقوق مُتعدِّدة للشَّعب الفلسطيني وحقُّه في تقرير مصيره والاعتراف بِدَوْلته على أرضه وعاصمتها القدس الشَّريف، وهناك حقٌّ من حقوق شَعبه بعودة اللاجئين.. كُلُّ تلك الآمال والتَّطلُّعات الفلسطينيَّة يُراد أن تذهبَ أدراج الرِّياح على أمَل أن تنتهيَ القضيَّة، لكنَّ الواقع مختلف كُليًّا. بالمقابل هناك مقاوَمة وثَوْرة فلسطينيَّة لم ولَنْ تخمدَ، بل تزداد ضراوةً كُلَّما تقادَم الزَّمن، بل إنَّ الصُّورة الذِّهنيَّة للمُجتمع «الإسرائيلي» بعد السَّابع من أكتوبر أنَّ هذه الأرض في فلسطين ليسَتْ أرض الميعاد ولا أمان فيها، وهناك هجرة عكسيَّة للمستوطنين، والمقاوَمة الفلسطينيَّة مشتعلة في قِطاع غزَّة، بل إنَّها تُكبِّد الصَّهاينة ضحايا بشكلٍ يومي، وآخرها ما حدَث قَبل يومَيْنِ من حدَثٍ أمني صَعْبٍ أعلنَ عَنْه الإعلام «الإسرائيلي» نَفْسه بوجود إصابات مُتعدِّدة، بالإضافة إلى (4) مفقودين، وهذا الأمر يحدُث بعد (22) شهرًا من العدوان والدَّمار وقتلِ الأبرياء والأطفال بشكلٍ يومي ومتعمَّد؟! ولكنَّ هذه الأحداث ـ رغم مخاطرها على الأمن الدّولي، ودخول أطراف دوليَّة على خطِّ الأزمة ـ يتجاهلها الكيان الصُّهيوني، ويَقُود الولايات المُتَّحدة والعالم إلى مخاطر كبيرة ومُحدِقة بالعالم.
اليوم المناشدة للتَّاريخ، وليس للنِّظام الرَّسمي العربي الَّذي غابَ عن المشهد طوال الفترة الماضية، وفاجأهم مُجرِم الحرب الصُّهيوني بالحديث عن خطَّة «إسرائيل الكبرى» الَّتي تجتاح (7) دوَل عربيَّة؟!
باتَ على النِّظام الرَّسمي العربي والدوَل الفاعلة أوَّلًا، وأمام هذه التَّقلُّبات الَّتي تعصفُ بالمنطقة، وهذا المشهد الخطير، بل والأخطر ما هو قادم، باتَ عَلَيْهم التَّعبير عن ذاتهم وتقديم موقف للتَّاريخ أقلّه إصدار قرار جماعي عربي بالامتناع عن حضور جلسات الأُمم المُتَّحدة إذا لم يحضرِ الوفد الفلسطيني. وهذه ليسَتْ من أجْلِ القضيَّة، بل من أجْلِ العرب أنْفُسهم وهم بحاجة ماسَّة إلى موقف مُوَحَّد أكثر من أيِّ وقتٍ مضَى، أمَّا القضيَّة الفلسطينيَّة فلَها رِجال يخرجون من بَيْنِ الأنقاض والرُّكام والنَّار لِيُقدِّموا للعالم أعظم الدُّروس للتَّاريخ.
خميس بن عبيد القطيطي
