الحروب الإلكترونية وصناعة الكذب ؛ هذا هو العنوان الأبرز في عالم الدعاية الرمادية التي تهدف للسيطرة على العقول واستباحة عواطف ومشاعر الناس البسطاء ، الذين يمكن تصنيفهم بالرأي العام المنقاد، إذ ينساق هؤلاء خلف الشائعات، ولا يبذلون الجهد المطلوب للاطلاع على خبايا الأمور ؛ بل يتبعون غيرهم من أصحاب الرأي المسيطر أو المثقف ، وربما طرفا ثالثا من صناع الدعاية.
كان هناك اعتقاد لدى البعض أن الفئة التي تصنف بالرأي العام المنقاد ذهبت بلا رجعة ؛ بسبب التدفق المعرفي الذي أتاح الفرصة لجميع أفراد المجتمع للولوج إلى المعرفة؛ عبر الإعلام الرقمي والتقليدي الذي أصبح في المتناول ؛ فضلا عن انتشار التعليم لدى العامة، غير أن الواقع يشير إلى وجود حوالي 60 % من المنقادين في أي مجتمع .
وفي هذا الفضاء الرحب تتسابق الأمم في تطوير إمكاناتها التكنولوجية للحاق بالثورة الصناعية الرابعة، خاصة في مجال الأمن السيبراني لحماية المعلومات في النطاق الوطني، وكذلك الحصول على الأسرار العلمية المتعلقة بالثورة المعلوماتية بين أقطاب الدول الصناعية الكبرى.
بينما يتمحور اهتمام العرب العاربة في تشكيل جيوش من المغردين، أو ما يعرف بالذباب الإلكتروني؛ لنشر الكراهية والفتن بين الأشقاء والجيران عبر منصات التواصل الاجتماعي.
فهذه الحسابات التي تحمل أسماء وهمية ، وبعضها عبارة عن أجهزة أو روبوتات رقمية تدار بواسطة لجان أو كتائب؛ تتولى توجيهها نحو دول معينة ، وتقدر بالملايين. وتفاعل هذه الحسابات مع وسم معين للرد عليه ، أو تحويل مساره نحو قضية أخرى.
ويهدف الذباب الإلكتروني بالدرجة الأولى إلى صناعة التأييد الشعبي المزيف للدول التى ترعى هذه الجيوش ، وتشويه وشيطنة الآخر من الأطراف المعارضة لها. كما تقوم هذه الحسابات الوهمية بالمشاركة بقوة في حروب التغريدات عن طريق تبني الإشاعات وإعادة نشرها ؛ للوصول إلى ما يعرف بالترند العالمي.
فالجيوش الإلكترونية مجموعة مدربة تعمل وفق أجندة خاصة، هدفها اختراق مواقع الخصوم، والترويج لوجهة نظر معينة عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي ، وإسكات وتشويه المناوبين؛ باستخدام ما يعرف بالدعاية السوداء التي تخاطب العواطف والمشاعر الوجدانية.
وتكمن خطورة الحرب الجديدة في التدفق الهائل للمضامين عبر هذه الوسائل ؛ يكفي أن نعلم أنه في دقيقة واحدة فقط ؛ ترسل ما يقرب من نصف مليون تغريدة عبر منصة التويتر . بينما يبلغ إجمالي الحسابات على منصة التويتر حوالي 336 مليون حساب. منها 48 مليون مستخدم هم من غير البشر .
ولم تكن السلطنة بعيدة عن هذه الحملات المغرضة، بل تعرضت لآلاف من التغريدات التي تستهدف التأثير على الرأي العام العماني؛ بسبب مواقف الحكومة المتعلقة بالقرارات السيادية للسلطنة؛ والمتمثلة في رفض المشاركة في حرب اليمن، ثم اتهامها زورا بتهريب السلاح للحوثيين عبر المنافذ البرية ، والموقف من الاتحاد الخليجي المزعوم؛ وكذلك، دور السلطنة في الاتفاق النووي الإيراني.
كما تدخلت هذه الجيوش الإلكترونية بأسماء ورموز عمانية مزيفة في العديد من القضايا المحلية ؛ بهدف تسييسها وزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد ، كقضية الباحثين عن عمل التي تطرح بشكل يومي عبر منصة التويتر ، ونشر الشائعات عن الأوضاع الاقتصادية والسياحية والسياسية في مختلف أرجاء السلطنة. وذلك في ظل غياب شبه كامل من الإعلام الرسمي ، والاكتفاء برد عدد قليل من الكتاب العمانيين ، وبعض الجهات غير المعروفة. ويعتقد أنها رسمية عبر التويتر.
ومهما تكن التحديات التي تواجهنا في هذه المرحلة، علينا أن نفتخر جميعا بما تحقق على تراب هذا الوطن الغالي من إنجازات يشار لها بالبنان ، في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من ظفار جنوبا إلى مسندم شمالا.
ولعل أهم هذه الإنجازات على الإطلاق ؛ الوحدة الوطنية التي أسس دعائمها صاحب الجلالة السلطان قابوس المفدى – حفظه الله ورعاه – إذ أعتقد أنها واحدة من أفضل النماذج العربية من المحيط إلى الخليج .
وعلى الرغم من تقديرنا لكل ما ذكر ؛ يجب علينا جميعا أن نعترف بالتحديات الكبرى التي تواجه المجتمع العماني في هذه المرحلة المهمة من تاريخ السلطنة.
وفي مقدمتها إيجاد حلول سريعة وجادة وصادقة لتوظيف الباحثين عن عمل، الذين ضاقت بهم السبل منذ سنوات طويلة ، وقبل ذلك محاربة الفساد الإداري والمالي بلا هوادة في القطاعين العام والخاص، ومحاسبة كل من يقصر في أداء الواجب الوطني ، تجاه الوطن والمواطن، انطلاقًا من مبدأ المسؤولية الوزارية على أنها تكليف ، قبل أن تكون تشريفا، ثم وضع إستراتيجية وطنية لتحصين المواطن العماني من الشائعات والحملات الدعائية من الداخل والخارج ؛ نظرًا لتراجع الصحافة الورقية وانحصارها في عدد قليل من الجمهور لا يتجاوز 13% يوميا. وكذلك تجنب الإعلام الرسمي الخوض في القضايا المحلية الحساسة !
فالأنظار تتجه إلى البرامج الإذاعية الناجحة مثل ؛ كل الأسئلة من هلا اف ام ، ومنتدى الوصال ، ومع الشبيبة. فعلى القائمين على هذه البرامج الجماهيرية تخصيص مساحة يومية بعنوان (نافذة على الرأي العام )، لمتابعة أهم القضايا المطروحة يوميا في تويتر ، و التي تستهدف في العادة التأثير على الرأي العام المحلي ؛ لتحليلها وتفنيدها ، من قبل الكتاب والخبراء ، وكبار المسؤولين في الدولة
د. محمد بن عوض المشيخي- أكاديمي وباحث في الشؤون العمانية
#عاشق_عمان