أفرز مركز القبول الموحد عن قبول عدد (٣٥١٥٨) طالبا وطالبة بالفرز الأول للدراسات الجامعية، وهو بلا شك رقم كبير ينال نصيبه بالبعثات التعليمية والمنح الدراسية، ولكن عندما نقترب من واقع الحال في بعض المنح الجزئية تعترضنا قضية مؤرقة مرتبطة بهذه البعثات والمنح الدراسية، وسوف تظهر جليا خلال الموسم الدراسي الحالي ٢٠٢١/٢٠٢٢م، ذلك باعتبار أن الدراسة الجامعية ستكون بنظام الحضور الكامل وليس بواسطة التعليم عن بعد كما كان في الموسمين الفائتين. وتتجلى المشكلة في أن عددا كبيرا ممَّن شملتهم البعثات (الداخلية) في الجامعات والكليات الخاصة حددت الوزارة المنحة للدراسة فقط دون أية مخصصات مالية أخرى مثل الإعاشة أو السكن أو النقل أو النثريات النقدية، حيث تتحمل الوزارة تكاليف الدراسة فقط، أما باقي التكاليف الأخرى فيتكفل بها أولياء أمور الطلبة، وهذا بحد ذاته يمثِّل عائقا كبيرا لدى شريحة كبيرة من أولياء الأمور، وقد يسبب فقدان هذه الفرص التعليمية، وهذه تُعد إشكالية تفرض نفسها بقوة على الساحة الوطنية اليوم مع توجُّه أبنائنا خريجي الدبلوم لبدء دراساتهم الجامعية .
لا شك أن المقعد الدراسي يُعد حقا وطنيا مكتسبا، وبحمد الله وفضله، هذه الحقوق متوافرة بشكل واسع في السلطنة، لا سيما في ظل وجود جامعات وكليات متعددة الحكومية منها والخاصة، ولكن بالمقابل فإن المقعد الدراسي الجامعي مرتبط أيضًا بتكاليف أخرى لا تقل تكلفتها عن المنحة الدراسية نفسها، فكيف لأولياء الأمور الإمكانية بتوفير ما يقرب من (٢٥٠) ريالا شهريا لأبنائهم الدارسين دون مساعدة حكومية؟! هذا إذا اعتبرنا أن ولي الأمر متكفل بطالب أو طالبة، فكيف يكون في حال لديه اثنان أو ثلاثة من أبنائه الدارسين بهذه البعثات والمنح الدراسية؟!
ربما يقال إن الوزارة خصصت مقاعد دراسية عن طريق البعثات أو المنح الجزئية، ومن الصعب وضع كل الأحمال المالية على الحكومة، إضافة إلى أن مركز القبول الموحد وضع خيارات كثيرة للطلبة والطالب هو من يحدد خياراته، وبإمكانه ترتيب خياراته بما يتوافق مع ظروفه وإمكاناته، وهنا نؤكد أولا: أن البعثات والمنح الدراسية في الجامعات والكليات الخاصة لم يشملها أية منح مالية، بينما الدارس في الجامعات والكليات الحكومية يتحصل على المقعد الدراسي والسكن والإعاشة والنقل بالإضافة إلى نثريات نقدية كلها أو بعض منها، فكيف لطالب وزميله تخرجا متساويين في كل شيء وربما أيضًا متساويين بالمعدل العام ولكن تفاوتت فرصتهما الجامعية من قبيل تحمُّل أعباء وتكاليف الدراسة كاملة أو جزئية، فأين المساواة هنا بين أبناء الوطن؟! ثانيا: مسألة ترتيب الخيارات تقوم على المعدل التنافسي الأعلى للبحث عن المجال الدراسي الأنسب الذي يتناسب مع إمكانات الدارس، والمعيار هنا هو البحث عن المجال الدراسي الأفضل، وترتيب الخيارات يكون وفقا للأفضل فالأفضل .
هناك عدد كبير من الطلبة المبتعثين في كليات متقدمة مثل الطب العام وطب الأسنان وما يعادلهما لم يتحصلوا على منح مالية كمساعدة لهم في مشوارهم الدراسي الذي يتجاوز ستة أعوام دراسية، وإذا كان هناك أولياء أمور وضعوا التعويل على أبنائهم في دراسة الطب وحصلوا على نسب عالية تجاوزت الـ٩٧% وفي الأخير لا يستطيع هؤلاء الآباء إتمام هذه الفرصة الدراسية لأبنائهم بسبب عدم توافر الإمكانية المالية ليواصل ابنه أو ابنته الدراسة في المجال الذي اختاره، سواء كان في الطب أو الهندسة أو غيرهما من المجالات الدراسية المتقدمة، والأمر كذلك ينطبق على جميع أبنائنا الطلبة الباحثين عن فرصهم الدراسية لتكملة دراساتهم الجامعية .
إن هذه القضية الوطنية تلقي بظلالها بقوة على الساحة الوطنية، وبرزت خلال هذه الفترة الراهنة؛ باعتبار الأوضاع الاقتصادية المتعثرة، إضافة إلى ارتفاع أجور السكن والمعيشة والنقل ومتطلبات الحياة الأخرى، وهي بلا شك تسبب عبئا كبيرا على أولياء الأمور. وللعلم أن هناك عددا كبيرا من المواطنين لم تمكنهم ظروفهم المالية من الوفاء بمستلزمات الحياة لأسرهم فكيف لهم بمجابهة هذه الظروف والوفاء بتكاليف دراسة أبنائهم في الجامعات والكليات الخاصة من خلال البعثات والمنح الدراسية؟! وبالتالي فإن القضية تأخذ هنا منعطفا حادا في حياة المجتمع والوطن، ولا بُدَّ من تسليط الضوء عليها من قبل مجلس الوزراء والمجالس البرلمانية (الدولة/الشورى) ونناشد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار أن تتنبه لهذه القضية المؤرقة وتوليها الأهمية اللازمة والاعتبارية، أما الحديث عن جدولة سابقة للمنح والبعثات الدراسية فهذا أيضًا لا يعني المواطن. ما يعنيه هو أن يحقق آمال وطموحات أبنائه الذين يعول عليهم في خدمة هذا الوطن، والحصول على فرصتهم الدراسية كاملة مع الالتزام الحكومي بضمان السكن والمعيشة والنقل أو على الأقل جزء منها، وكذلك المساواة بين أبناء الوطن في هذه الاستحقاقات والمميزات الدراسية والمالية، وعلى الوزارة معالجة هذه القضية بالشكل الذي يحفظ هذه الحقوق والفرص الدراسية، لا أن يجد المواطن نفسه مضطرا للحيلولة عن مواصلة ابنه او ابنته دراسته الجامعية بسبب هذه الظروف، وللأسف حدث بالفعل لطلاب لم يتمكنوا من الاستفادة من هذه الفرص الدراسية نظرا لظروفهم المادية الحادة، فأين مجالسنا عن هذه القضية الوطنية؟
الحديث عن الظروف الاقتصادية التي تمر على البلاد بشكل عام هذا معروف ولا يحتاج لإعادة تذكير، ولكن بالمقابل عملية الموازنة تفرض نفسها لتحقيق الغرض الوطني من هذه الفرص الدراسية ومساواة أبناء الوطن بتخصيص جزء من متطلبات الدراسة لإعانة أولياء الأمور، ومساعدة هذا الطالب الذي جد واجتهد من أجل خدمة وطنه وتحقيق أهدافه في الحياة، لا لتعترضه مثل هذه الظروف. لذا نرجو من المعنيين بالوزارة ومجلس الوزراء ومجلسي الدولة والشورى مراعاة هذه القضية الوطنية والنظر إليها بعَيْن الاعتبار، ومراعاة الطلاب الدارسين في الجامعات والكليات الخاصة لمساعدتهم جزئيا على تجاوز هذه المرحلة الدراسية، وخصوصا طلاب الجامعات والكليات الطبية الذين حققوا نسبا مرتفعة وهم اليوم بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم ومكافأتهم، لا أن يجدوا أنفسهم خارج نطاق المستقبل، بينما هناك من أقرانهم الذين حصلوا على نسب متوسطة استكملوا مشوارهم نحو المستقبل وهم حصلوا على نسب أقل، فهل هذه الجدولة منطقية؟! وهنا نرجو مراعاة أبناء عُمان في تحقيق أهدافهم المستقبلية وتحقيق طموحاتهم الوطنية، والله ولي التوفيق والسداد.
خميس بن عبيد القطيطي