ديكتاتورية عشق الجبال، والمغامرة ألغت جميع خططي في اجازة الأسبوع بعد توارد أفكار شيقة رسم خطواتها الرفاق لتنزلق كل العقبات التي قد تعيق تنفيذها.
جمعة الذهلي، وهلال البسامي خططوا ونفذنا معهم رحلة مغامرات شيقة كانت بدايتها لدي منذ أن أقلنا سالم العبري بمركبته ذات الدفع الرباعي إلى “قرية الهوب” حصن الجهة الغربية لوادي السحتن والتي تتشابه في التسمية مع “قرية الهويب” ولكن لا يربطهما إلا أنهما حلقة من حلقات العقد الثمين لمندوس عمان.
تأبطنا حقائبنا بعد شرح سريع من القائد جمعة الذهلي عن الهوب، وما جاورها، وارتقينا صعودًا مع محاولاتي التعرف على باقي أعضاء الفريق المكون من سبعة أشخاص يشتركون في حب الاكتشاف، وسبر أغوار جمال الجبال.
الطريق إلى “عين القلّين” المتاخم لجبل شمس ليس بالأمر الهيّن فالدرب -شقفة- وتحتاج إلى تركيز، ومهارة، وكثير من الأحيان يكون الممر على صفيح جبلي يعتمد على تثبيت أطراف اصابع القدم، فالمكان زلق، ويفتقر للمرات، وأحيانا علينا أن نتسلق منحدرات حادة، والمدهش في الأمر أن احد الزملاء المرافقين لنا عاد منذ فترة وجيزة من مغامرة تسلق قمة جبل “كلمنغارو” واسمه “جمعة المزروعي” وأكد لنا أن هذه المسالك أصعب، وأخطر من مسارات “كلمنغارو والهملايا” ولكن كل هذا الجنون حتما سيورّث حلاوة في القلب لا يدركها إلا من جرّب مدفوعًا بعشق حقيقي لهكذا فجاج.
وعلى عجالة سأورد مقتطفات جعلت من هذه الرحلة مليئة بالمتعة فالقلوت المائية، والغابات الكثيفة المخضرة بأشجار العتم، والبوت بثماره كاملة النضج (لِمعتّق)، وزهوره (عُطّار البوت) ، والشحص، والعلعلان، والحشائش، وأشجار ونباتات أخرى، واستمعتنا كذلك بقطف نبتة الزعتر -السعتر-، ورؤية طيور الجبل كالغفغاف، والحجل، والشنا وغيرها، وقد اكتشف الذهلي عشًا لطائر الغفغاف فالتقطنا الصور لبيض هذا الطائر الجميل.
وهناك ما استغله الإنسان السحتني القديم من الطبيعة لسد احتياجاته كاستغلال الصخور الكبريتية لصناعة مادة متفجرة تحشى بها طلقات البنادق، واستغلال الصخور، وجذوع الأشجار لتهيئة بعض الدروب العسرة، وانشاء مكامن لصيد الذئاب وقدّم هلال شرحًا كاملًا لكيفية استخدامه، ناهيك عن مسجد “السيد” في “عين القلين” الذي بناه السيد الزاهد فيصل بن حمود حفيد الإمام عزان بن قيس الألبوسعيدي، حيث كانت خلوته مع خالقه في قمم الجبال، وفي هذا المقام نورد أبياتًا للشيخ الفقيه سعيد بن خلف الخروصي في شخص هذا الإنسان الورع الذي استوطن قرى وادي السحتن باغيًا ربه، وبقاعه التي لم تتلوث بمدنية الإنسان فقال:
إذا (التشبيك) قابلت (الودائم)
ترى بلدين طاولتا النعائم
(علاة) تحتها كالنجم لما
بدا من تحت بدر في الغمائم
و(بشوق) الأكارم كالثريا
تدلت في الترائب والمقاسم
أحيطت بالديار كمثل بدر
أحيط بهالة واليوم غائم
(مقمة) في الشمال وقابلتها
سهيلا (صيرها) ذات المكارم
توطنها قديما ذو المعالي
هو المفضال فيصل ذو المعالم
أما الأشكال التضاريسية المتنوعة والمبهرة فلا تعد ولا تُحصى كالفالق الصخري العظيم، والكهوف التي استغلها الإنسان مثل “ديّر غور التنور”، والشلالات وما نحتتها من تجاويف لحفظ المياه، وما أثار اعجابنا أننا وجدنا فتحات بين الصخور ترتبط بباطن الأرض، وتخرج منها أبخرة دافئة قد تكون لحمم بركانية، أو مياه ساخنة استغلها الرعاة، والمارة للتدفئة في فصل الشتاء ويطلقون عليها “تنور الضباب”.
وصلنا “عين القلين” وأعدَّ سالم العبري مع جمعة الذهلي الغداء، بينما يونس النصيبي، وخالد العبري، ساعداهما في اعداد الزعتر المغلي، وبعد الانتهاء قفلنا راجعين من درب أخرى شديدة الانحدار، ولكنها أسرع فالليل يطلبنا، ونحن نحث في استغلال ما تبقى من النهار.
وصلنا للقرية الوادعة في احضان الجبال قبيل أذان العشاء واستقبلنا أحمد، وخالد العبريين بالترحيب وقد أعدوا لنا وجبة العشاء فأكرومنا، وطلبوا منا البقاء لمدة أطول ولكننا في عجلة من أمرنا فالبرق يشق السماء، وهزيم الرعد يهز أركان القرية فتلكم كانت تباشير “أخدود الحيا”، وفي هبوطنا كنا نردد الأهازيج السحتنية التي لها وقع على القلب لا تجده إلا إذا صدحت من حناجر أبناء السحتن وتردد صداها في تلكم البقاع النقية .
الفريق المغامر :
١- جمعة الذهلي (القائد)
٢- هلال البسامي.
٣- سالم العبري.
٤-جمعة المزروعي.
٥-يونس النصيبي.
٦-خالد العبري.
٧- عبدالعزيز الكيومي.
كتب : عبدالعزيز الكيومي
الثلاثاء، ١٢، نوفمبر ٢٠١٩
#عاشق_عمان