ثمَّة نجاحات وإخفاقات لكل جهة حكومية، بعض الإنجازات تكون ملموسة وملحوظة في صور مختلفة، ومنها جودة الخدمة المُقدمة في جهة معينة؛ لذلك يُقال إنَّ الجهة الفلانية نجحت أو أخفقت في تقديم هذه الخدمة أو تلك، والحكم يكون نسبيًا، فتجد الراضي أو الساخط، وكلاهما يكونان بنسب متفاوتة.
في المُقابل هناك معايير يمكن قياسها بسهولة كمعيار الإيرادات المالية للجهات الحكومية الخدمية، ولكي يتضح ما أحاول أن أقوله، سوف أعطي مثالا توضيحيا، فمثلًا مطلوبٌ من جهة حكومية ولنسميها “وزارة التسهيل” أن تضخ لخزينة الدولة 100 مليون ريال عُماني في عام 2021، وتم اعتماد هذا الرقم قبل 4 أشهر من بداية هذا العام، فهذا الرقم لم يأتِ عبثًا، وإنما أتى بناءً على مُعطيات عديدة؛ منها: السجل التاريخي، والنمو المتوقع، والسياسات المتبعة، والتسهيلات المحفزة لمضاعفة إعداد المستفيدين، والظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة، والأنظمة الإلكترونية المستخدمة وغيرها من معطيات، المهم في نهاية عام 2021 فإنَّ “وزارة التسهيل” لم تستطع أن تحقق الرقم المطلوب والمتفق عليه، فقد حققت إيرادات مالية تقدر بمبلغ 60 مليون ريال عُماني فقط، ويمكن أن يتكرر مثل هذا السيناريو لباقي الجهات الحكومية، وعندها إذا جمعنا الحصيلة الكلية للعجز على الميزانية العامة يكون المبلغ ضخماً، قد تصل لمليارات الريالات العمانية.
فمن المسؤول عن هذا الإخفاق؟
فلنطرح عددًا من الاحتمالات: هل بسبب أن الجهة الحكومية ليست على دراية كافية بما يجب أن يتحقق من ايرادات مالية، ووضعت أرقامًا مبالغًا فيها؟ أم أن المسؤولين في جهة معينة يعلمون أن هذا المعيار لا يعد جوهريًا، ولن يكون محل تقييم أو محاسبة أو مراجعا من أحد؟ أو أن رأس الهرم في الجهة الحكومية أقر سياسات وقرارات وإجراءات صعبة ومنفرة للأفراد والمؤسسات، وما تم إقراره لم يراعِ فيها الإيرادات المالية النهائية لخزينة الدولة؟ أم أن السياسات والقرارات المقرة في عام 2021 لم تدرِس بما فيه الكفاية ردات فعل المستفيدين من أفراد ومؤسسات؟ وهل هذه القرارات والسياسات سوف تزيد نسب المستفيدين، وتزيد الإيرادات معها أو سوف تنخفض العوائد المالية بسبب انخفاض المستفيدين؟ أم أن الإدارة العليا في هذه الجهة أو تلك ليسوا بأصحاب دراية مالية أو اقتصادية، وتركيزهم ينصب على المواضيع الإدارية فقط دون غيرها؟
معيار الإيرادات المالية السنوية واضح وشفاف؛ فالأرقام لا تكذب، وهذا المعيار يمكن أن يكون عنصر نجاح أو إخفاق لأي إدارة في أي مؤسسة حكومية، وهذا المعيار يمكن أن يكون مؤشرا يعتد به مُبكرًا- بعد 3 أشهر على أقصى حد- إن كانت هذه الجهة أو تلك ماضية في الطريق الصحيح المتوافق مع الدورة الاقتصادية المتكاملة، أو أنها منفرة ومعرقلة للأهداف الاجتماعية والاقتصادية للبلد، فمعيار إيرادات الدولة يستطيع أن يوضح مدى استطاعة المسؤول الحكومي أن يقرأ المشهد والمعطيات المحيطة.
الفاقد المالي لا يكمن في الهدر في المصروفات فقط؛ بل أيضًا في أي انخفاض في إيرادات الدولة، وإن كان عدم الضبط في الصرف المالي يسمى “هدرًا”، فلابُد أن يسمى الانخفاض في الإيرادات المالية السنوية “تقصيرًا”؛ بل إن مساوئ هذا التقصير أعظم؛ لأنَّ العجز لا يكون في المال فقط؛ بل يقود معه إخفاقًا شاملًا يُؤثر سلبًا في منظومة الدورة الاقتصادية والحياة الاجتماعية.
عليه.. لابُد من تقييم دوري لأي قرار يصدر، أو أي سياسة تعتمد، وهل ستخدم الدورة الاقتصادية والمنظومة الاجتماعية؟ وهل مزاياها أكثر من آثارها؟ وما تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية؟ وهل سوف تنسجم مع باقي سياسات وقرارات الدولة؟ وهل ستحقق الإيرادات المتعمدة؟ وهل الهياكل الإدارية المعتمدة تعتبر هياكل منتجة وداعمة وتستطيع أن تحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، أم أنها عبء دسم إضافي ومعطل لسلاسة الإجراءات؟
معيار إيرادات الدولة لابُد أن يمنح وزنًا إضافيًا؛ لأنه سوف يعطي دافعاً لكل جهة أن تعمل بكل ما أوتيت من طاقة لتحقيق الهدف المالي المنشود، وأن لا يكون هناك ساخط على هذه المؤسسة الحكومية أو تلك، بسبب أن رأس الهرم فيها ومعه جميع الموظفين هدفهم تحقيق هدف واضح وشفاف، ومؤمنين بأنهم محاسبون في نهاية العام بالنجاح أو الإخفاق في تحقيق الإيرادات المالية السنوية، وللعلم أن هذا الهدف سيحقق أهدافا داخلية أخرى كمضاعفة المعاملات الحكومية المنجزة وسرعتها وجودتها، وأهداف استراتيجية كزيادة الإيرادات غير النفطية في خزينة الدولة، وإنعاش الدورة الاقتصادية وفتح آفاق مجتمعية أخرى.
خلفان الطوقي