يمكن جدًا أن تغتال إسرائيل يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في غزة، ومحمد الضيف رئيس كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس، ولكن هل بإمكانها أن تغتال الشعب الفلسطيني كله.. وهل إذا اغتالت السنوار والضيف يعني ذلك أنّ الفلسطينيين – الذين أنجبوهما – أصبحوا عقيمين؟!
على مدى أكثر من سبعين عامًا اغتالت إسرائيل رموز المقاومة الفلسطينية؛ – وهو النهج الذي اعتمدته إسرائيل منذ ما قبل تأسيسها الرسمي عام 1948-. وحسب مقابلة مع موقع «تايم أوف إسرائيل»، نُشرت في الثلاثين من يناير 2018، أشار الكاتب الإسرائيلي رونين برغمان، أنّ الإسرائيليين نفذوا أكثر من 2700 عملية اغتيال ضد الفلسطينيين (بمعدل 38 عمليةً سنويًا) داخل وخارج إسرائيل.
وإذا تساءلنا ما هي نتيجة هذه الاغتيالات، وما مدى تأثيرها على القضية الفلسطينية؟ نقول: كان من نتيجتها أن جاءت قياداتٌ أكثر قوة من السابقة، وأكثر تمسكًا بالجهاد ضد الكيان الإسرائيلي وبمقاومة المحتل، مثل يحيى السنوار الذي قاد في شهر مايو الماضي معركة «سيف القدس» ضد الاحتلال الإسرائيلي؛ لكن الإسرائيليين لم يعوا جيدًا حتى الآن فشل سياسة الاغتيالات ضد الفلسطينيين، من تقديم قيادات أخرى جديدة أكثر قوةً وصلابةً وعزمًا؛ وهذا ما كان يجب أن يعيه جيدًا ديفيد بيتان عضو الكنيست عن حزب الليكود، الذي قال «نحن بحاجة إلى اغتيال السنوار، حتى لو على حساب الحرب، ولا يوجد خيار آخر، إنه عدو لدود ويتلاعب بنا بقسوة»؛ وهذا ما كان يجب أن يعيه بيني جانتس وزير الدفاع الإسرائيلي عندما صرّح في شهر مايو الماضي، بأنه لا يستبعد أن تقوم إسرائيل بتصفية يحيى السنوار ومحمد الضيف قائد كتائب القسام إذا سمحت الظروف بذلك؛ وهذا ما كان يجب أن يعيه أهرون حليوة رئيس «شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)»، الذي سئل من قبل صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن سبب عدم اغتيال السنوار بعد ظهوره علنًا في غزة ولمدة ساعة كاملة، في أعقاب وقف إطلاق النار، فأجاب: «بعد تحقيق وقف إطلاق النار، أصبح الأمر إشكاليًا أكثر، وينبغي اتخاذ قرار بشأن ثمن خطوة كهذه. ولكن إن سألتني: هل السنوار محكوم بالموت؟ أجيب: نعم»؛ وهذا ما كان يجب أن يعيه إيلي كوهين وزير المخابرات الإسرائيلي الذي قال في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» إنّ يحيى السنوار، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، على قائمة الأهداف الإسرائيلية.
ولكن هل يخشى السنوار والضيف وهنية وكلّ قيادات حماس والجهاد الإسلامي الموت؟ لو كان الأمر كذلك لما مشوا في طريق الجهاد وهم يعلمون المخاطر المحيطة بهذا الطريق، ويعلمون تمامًا مصير من سبقهم من الرموز الفلسطينية الكبيرة، مثل الشيخ أحمد ياسين، ويحيى عياش، وعبد العزيز الرنتيسي، وفتحي الشقاقي، وبهاء أبو العطا، من حماس والجهاد الإسلامي، وغيرهم من الرموز الكبيرة من حركة فتح، مثل الرئيس ياسر عرفات وصلاح خلف وخليل الوزير وأبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعشرات القادة والمفكرين والصحفيين الفلسطينيين والمؤيدين للقضية الفلسطينية؛ فالرجل ومن معه اختاروا طريقهم بقناعة، ولو فرضنا أنهم لا يؤمنون بهذه الفرضية لما كانوا اتجهوا إلى الجهاد ومواجهة جبروت الكيان الصهيوني.
مكث يحيى السنوار في سجون الاحتلال الإسرائيلي نحو 24 عامًا قبل أن تفرج عنه عام 2011؛ ضمن صفقة تبادل الأسرى الشهيرة التي أقامتها حماس مع الاحتلال مقابل تقديم الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وشملت الإفراج عن 1027 أسيرًا فلسطينيًا، وقد وضعته أمريكا على قائمة «الإرهابيين الدوليين» في سبتمبر عام 2015، هو ومحمد الضيف ورَوحي مشتهى عضو المكتب السياسي لحماس، وانتخب عام 2017، رئيسًا لحركة حماس في قطاع غزة.
ومثلما تفعل المنظومة الأمنية والعسكرية مع كلّ خطاب يلقيه حسن نصر الله زعيم حزب الله، فإنّها تفعل الشيء نفسه مع يحيى السنوار، إذ كشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أنّ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أعادت تحليل شخصية السنوار، عقب التصعيد الأخير في قطاع غزة، وأنّ المهمة عُهدت إلى الجيش الإسرائيلي، وجهاز الشاباك، بالإضافة إلى متخصصين في الصحة العقلية وخبراء في لغة الجسد وتحليل الكلام. ووفق صحيفة هآرتس، فقد «تكشّف لمؤسسة الدفاع الإسرائيلية، أنّ السنوار متشدد ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته، وإذا كان الموقف في جهاز الدفاع الإسرائيلي هو أنّ محمد الضيف هو الأخطر بين الاثنين، فإنّ الأمر لم يعد واضحًا اليوم». أما الكاتب دانييل سريوتي فقد كتب في صحيفة «إسرائيل اليوم» يوم الجمعة، 27 أغسطس 2021، أنّ السنوار تمكن مرة أخرى من النجاح في معادلة المخاطرة المحسوبة؛ «فقد اعتاد أن يخبر رفاقه وضيوفه أنّ إحدى الخطوات الرئيسية التي تعلم أن يتبناها أمام حراسه في السجون الإسرائيلية -حيث قضى معظم حياته- كانت «حركة المخاطرة المحسوبة»، وتعلّم تقدير رد فعل الحراس الإسرائيليين على أيّ خطوة يقوم بها؛ لذلك كان يعرف متى يتخذ نهجًا يبدو أحيانًا خطيرًا ومتطرفًا، لكنه كان نهجًا دقيقًا ومحسوبًا ويمكن التنبؤ به، والذي غالبًا ما كان ناجحًا أيضًا، ويحصل السنوار على ما يريد». وأشار الكاتب إلى أنّ السنوار لم يتخلَّ عن نهج المخاطرة المحسوبة فحسب، بل أدرجه في الفن، ويمكن ملاحظة ذلك في الطريقة التي تعمل بها حماس على تحديد الأجندة الأمنية في المنطقة.
أما عن محمد الضيف القائد العام لكتائب القسام، فإنه قد نجا مرتين من محاولة اغتيال خلال تصعيد الجيش الإسرائيلي الأخير ضد قطاع غزة. وحسب تقرير صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» نشر الثلاثاء في 19 مايو 2021، فإنّ الضيف ضمن قائمة المطلوبين لإسرائيل منذ أكثر من 25 عامًا، حيث تتهمه بتخطيط وتنفيذ عدد كبير من الهجمات ضدها. وحسب الصحيفة فإنّ الجيش الإسرائيلي يعتبره قائدًا ميدانيًا محنكًا؛ لذا فإنّ القوات الإسرائيلية حاولت اغتياله خمس مرات على الأقل خلال السنوات الماضية، فضلا عن المحاولتين الأخيرتين، وأنّ إسرائيل اقتربت من تحقيق هدفها عام 2014، لكن الضيف نجا واستُشهدت زوجته وابنه الرضيع وابنته البالغة 3 سنوات.
على المستوى الشخصي لا أستبعد أبدًا أن تنجح إسرائيل في اغتيال السنوار والضيف وهنية وغيرهم -كما نجحت في السابق- بل أتوقع ذلك، لكن في النهاية تبقى مقاومة المحتل عقيدة دينية، قبل أن تكون مبدأ إنسانيًا؛ ومن يعتنق هذه العقيدة ويؤمن بهذا المبدأ فلن يخشى من التهديدات، بل يَعتبرُ الموت أمنية، وكلما اغتالت إسرائيل قائدًا أو رمزًا من الرموز الفلسطينية ظهر من هو أقوى منه، وهذه الحقيقة عشناها ورأيناها بأعيننا؛ والإسرائيليون لا يتعلمون الدرس جيًدًا، فهم يعتمدون في مخططاتهم على القيادات الخائنة الخانعة، وعلى اغتيال الشرفاء الرافضين للذل والهوان، وكان يجب عليهم أن يعوا أنّ من أنجب مثل أحمد ياسين، بإمكانه أن ينجب مائة أحمد ياسين، وأنه إذا تمّ اغتيال السنوار، فهناك المئات من أمثال السنوار، وأنّ هناك أكثر من محمد الضيف. وإذا تمت التصفية، فلا يعني ذلك بأيّ حال من الأحوال أنّ الجهاد سيتوقف؛ فلا تكمن المشكلة في شخص واحد -مهما بلغ شأنه- وإنما تتعلق القضية بشعب يزيد تعداده عن اثني عشر مليونًا في الداخل والمهجر.. وتتعلق بشعب طرد من أرضه.. وتتعلق بشعب مورست ضده كلّ أنواع الإذلال والاضطهاد.. وتتعلق القضية بشعب حورب في دينة ومقدساته.. وتتعلق بشعب تاجَر الشقيقُ بقضيته قبل الصديق.. بل تتعلق بشعب رفض الاستسلام رغم ما قدّم من تضحيات؛ وأبطال نفق الحرية الستة هم خير دليل على عظمة الشعب الفلسطيني.
بقلم: زاهر بن حارث المحروقي
جريدة عمان.. عدد الأثنين 20 سبتمبر 2021م