تُرى هل صار الصمتُ حكمة في زمن الكلام والثرثرة؟! أفيدونا يا مسؤولونا!
لقد غدروا بوقارنا ليس الكبار وحدهم، ولكن كذلك الأطفال يُغردون في تويتر الثرثار، فيتكلمون عن الفساد، فأخذتهم جرأتهم على كل شيء في عُمان، ولم يخجلوا من التَّعدي على المقام السامي في ذاته السُّلطانية، فبعضهم يذكّره بالقسم والإشارة إليه بالبنان، وحتى سماحة الشيخ الجليل المُفتي العام للسلطنة، لم يسلم من الفرية عليه، أليس هذا هو الذي قيل فيه “إنَّ السيل بلغ الزبى؟!”
لقد شوهوا حرية الرأي والتَّعبير، وأخشى أن يصل الأمر بنا يومًا ما، فنحتاج فيه إلى إذن حتى نقول رأيًا علنًا، وذلك بعدما اختلط الحابل بالنابل، ولم نعرف مقلاع من الذي انفلتت منه الحصاة الخطأ، وشجّت هامة كبريائنا في مقتل! فنحن من فاخرنا بحرية الرأي في بلادنا، فأصبح الأمر هذراً مملاً. إذن؛ لقد طفح الكيل، فأخذ الجميع يتهم الجميع بالفساد، حتى سائق “التاكسي” إن نسي إضاءة لوحة الأجرة، لم يسلم من الاتهام بالفساد، ماذا بقي لقد صارت عُمان كلها بؤرة للفساد من وجهة نظرهم، كل شيء هكذا.. وبلا هوادة ولا قيم وتأدُّب، يُرادُ لنا أن يكون لدينا كل شيء فاسد؟ فكل من نحَّى مرضعته قليلاً عن فهمه، صار يصرخ فساداً بملء فاهه.. فسادٌ أحموني منه، فزمان كانوا يقولون للطفل المشاغب، سنأتي لك بالشّرطيُّ يأخذك إلى السجن حتى يخاف، فصار الشرطي اليوم آمناً لا يخيف أحدًا؛ بل صاروا يخيفون الأطفال بالمفسد لأنه لا يرحم.
لقد آن الأوان أن نوقف هذه المهزلة، فإما أن يُطلب من النَّاس دليلاً قاطعاً، ليقطع به دابر الفساد من جذوره، وأما أن يجلد الواشون بغير علم، ثمانون جلدة، ولا تقبل لهم قط شهادة بأيِّ شيء طوال العمر، لقد مللنا وعفنا أنفسنا من كثرة ما يشاع عن الفساد على الألسن، وقد انتشر الأمر وكأنه حقيقة مُطلقة، وكأن البلد أصبح شرٌّ مُطلق، ذلك بقدر ما أشيع فيه من كلام عن الفساد، كلام مرسل بلا ضوابط ولا حقائق.
هذا الكلام الثرثار بالفساد، أصبح يسيئ إلينا كمواطنين قبل الحكومة والفاسدين إن وُجدوا، حتى وإن قيل بهدف الإصلاح، فإن كان رقم هاتفك مُتناسقاً، وقد دفعت فيه مبلغاً من المال، قيل عنك فاسد ولديك واسطة، وهكذا الحال بالنسبة للسيارة الجديدة التي تمتلكها، فقد تكون مشتريها بالأقساط.. قيل عنك فاسد، نريد ضوابط توقف هذا الإنجراف وراء هواهم في كيل التُّهم للغير.
إنَّ هؤلاء البسطاء ينتشون مع كل هجمة مُنسقة من الخارج، فيظنون بقطعية ما يتلقون عن الفساد، وينتخون بشخصيات خارج الحدود، ويصدقون بسهولة وقبل أن يحكموا العقل والمنطق، فيعتبرون كل خبر أتى إليهم على أنه الحقيقة التامة، أما الإنسان الذي يُحكّم العقل، يحلل كل خبر يأتيه ويوزنه بميزان العقل والمنطق، لأن محرقة الفساد أصبحت تتسع لكل فبركة يراد تمريرها.
وإلاّ كيف يعقل أن يرى شخصية بارزة، وقد تقلدت مناصب كثيرة، وفي مناطق متعددة، ولسنين طويلة، وفجأة تُبعد عن المنصب، وليس ذلك فحسب، وإنما تصور على أنها كانت فاسدة، وتشرف على عصابات خطيرة من الفساد والرشوة. إذن؛ قد لا يكون الأمر كذلك، وكما أتى في سياق الخبر، وإنما أقرب إلى الفبركة لتغطية غرض في نفس “يعقوب”؛ إذن هو قرار ليبعد الناس عن حقيقة ما وراء الموضوع، وقد تكون الحقيقة بعيدة كل البعد عن الواقع المُعلن، ولكن ما يطرب الناس اليوم العزف على وتر الفساد، وقد يكون أصحاب تلك القرارات هم الأفسد من الشيطان الرجيم نفسه!!
خطابهم الإعلامي قوي ونافذ حتى وإن كان كاذبا، وخطابنا غائب وصامت، لذلك تجد الذئاب ترعى ليس في حديقته الخلفية؛ بل وفي كل مُحيط إعلامنا الهادئ، وحتى نُعالج مواضيع قومية ومهمة جدًا وعاجلة كذلك، علينا أن نستعين بمراكز دراسات إستراتيجية، “وأنا أعلم” أن عقدة الخواجة تعشعش في ذهن كل مسؤول ضعيف، لذلك لا تجده يثق في العقلية العُمانية، مهما كانت عبقريتها فذة ونابغة بالحكمة، المهم يجب ألا نظل نتلقى الهجوم تلو الهجوم، فهناك من يُفبرك فبركات فجَّة كـ”امرأة تبكي” وتنتخيه فيهبُّ لنجدتها بقوله: “وا إسلاماه” فلا بأس أن يضحيّ ببعض الأشخاص، أو حتى بالاتفاق معهم مبدئيًا، وتتوافق هذه المواقف البطولية والنادرة، عندما تستحكم بعض المعضلات في الشأن الداخل، ولا يتأخر بعض من تستهويهم هذه الفهلوانيات، فتبدأ الإشادات من هنا في عُمان، وسيل المقارنات بيننا وبينهم، فبعضها بوعي، والبعض الآخر من غير وعي؛ بل هم الأكثر ممن بغير وعي، وإعلامنا صامت وفي قمة التأدب والحبور.
لقد أكلوا لحومنا أحياءً، وسعوا لهدم أمجادنا القديمة قبل الحديثة، حتى يظهروا بطول قامة عُمان زيفًا وبهتانًا، وذلك بالصعود على قامتنا العالية، فهل نصمت ونسكت حتى تُلتقط لهم الصور، ويحتفظوا بها لتزوير التاريخ والمُستقبل؟ يجب أن نرفض تسلقهم على حسابنا، ليس بالصمت يكون الرفض وإنما بالكلام.. والصوت العالي، وبالطبع ليس دومًا وإنما في الوقت المناسب. وفي الجانب الآخر، علينا أن نتكلم ونضع المواطن في صورة ما يجري، فما العيب أن نتكلم عن الأزمة المالية وأساليب وأدوات حلها، وأن نبشرّ المواطنين بإنتاج الغاز، وأن المستقبل واعد ومبشر بالخير، ولا خوف على عُمان من معضلات اقتصادية في قادم الأيام. وعندما يفهم الناس الحقيقة، وكيف تجري الأمور، فلا شك أنهم سيتفهمون وضع الدولة، وسيتعاونون معها؛ بل وسيُضحون من أجلها، ولا ننسى ضرورة توضيح المسارات التي تحد من قضايا الفساد، فشنفوُّا مسامع النَّاس بما يسعدهم سماعه، أما الصمتُ فلا يجلب الصمت، بل يجلب الصراخ العالي، والضجيج في كل مكان.. وختاماً ندعو الله أن يحفظ عُمان وشعبها الأبيّ وسلطانها المُبجَّل من كل مكروه.
حمد بن سالم العلوي