أنهى منتخبنا الوطني العماني مشاركته في خليجي ٢٤ بالدوحة ليلة الثاني من ديسمبر ٢٠١٩م مختتما مشاركته بالبطولة بعد تعادل مع منتخب البحرين وفوز على منتخب الكويت ثم خسارة من المنتخب السعودي. ولا يسعنا هنا إلا أن نقول شكرا لجميع نجوم منتخبنا الذين بذلوا قصارى الجهد من أجل رفع اسم السلطنة في البطولة، ولكن هذا حال كرة القدم، ولا ننسى أنكم أبطال دورة الخليج الماضية خليجي ٢٣ بالكويت وما زالت الجماهير تعتبركم أبطالا بجهودكم وتضحياتكم وإخلاصكم في أداء مهامكم الرياضية في المحافل الدولية، والقادم أفضل بعون الله. أما حسابات الفوز والخسارة فهذه حسابات واسعة ومتشعبة، مع العلم أن تشكيلة منتخبنا في هذه البطولة لم تكن مختلفة عن البطولة الماضية فهو نفس المنتخب الذي شارك في خليجي ٢٣ بالكويت مع بعض الإضافات البسيطة، لكن الفارق هنا أن ظروف المنتخب وجهازه الفني اختلف عن البطولة الماضية وكذلك ظروف البطولة أيضا، وفي السياق التالي سنحاول البحث عن الأسباب، فتشخيص الحالة جيدا يسهل تقديم العلاج .
عندما نتحدث عن بطولة الخليج فنحن نتحدث عن بطولة تعتبر أقل من نهائيات كأس آسيا وكأس العالم، وهذا يدل على أننا نراوح في نفس المستوى وهي مشكلة غالبا ما تعاني منها الكرة العمانية، أما الحديث عن المشكلة المالية فهذا لا يختزل القضية لسبب بسيط وهو أن المنتخبات الخليجية الأخرى التي تتفوق علينا في الجوانب المالية تعاني من نفس المشكلة وتتبع نفس الخط البياني في تصاعد وتراجع وتذبذب في المستوى وعدم استقرار. ورغم تلك الإمكانات لم يصل إلى نهائيات كأس العالم إلا المنتخب السعودي فقط، وسابقا تفوق المنتخب الكويتي في عصره الذهبي ثم جاء المنتخب الإماراتي لاحقا، ولكن هذه المنتخبات الآن تعاني نفس المعاناة ونفس المشكلة حتى البطولة القارية لم تستطع هذه المنتخبات انتزاع لقبها عدا المنتخب السعودي أيضا، بينما في القارة السمراء هناك منتخبات بلغت العالمية وتفوقت رغم ظروفها المالية، إذن نحن نتحدث عن منظومة شاملة من الأسباب تعاني منها الكرة العمانية والخليجية .
ما يهمنا هنا هو وضع منتخبنا العماني، إلا أننا لا بد أن نكون واقعيين في التحليل؛ فالذي لا يمكن تحقيقه سلمنا به، أما الممكن تحقيقه فلا بد من العمل على تحقيقه، وهنا نشير ضمنيا إلى أن الاهتمام بالرياضة العمانية عموما لم يرقَ بالمستوى المأمول الذي يضعنا على سلم العالمية، وهذا ينطبق على كل الرياضات والألعاب الأخرى وليس على كرة القدم فقط، بل إن كرة القدم ربما هي أكثر حظا من بقية الرياضات الأخرى، ونحن هنا أمام مسألة مهمة وهي محدودية الاهتمام بالرياضة على أجندة الحكومة، وهذا واقع ملموس للمتابع، فهناك اتحادات تحمل مسميات رسمية ولكنها تعيش ظروفا صعبة، ولا نستطيع كذلك أن نلقي اللائمة على الحكومة في ظل الظروف المالية، فهناك أولويات أخرى أكثر أهمية، ولكن لا بد أن نشير إلى هذه القضية، كما أن عمل منظومتنا الرياضية في حدود ومستويات معينة، وأقصد هنا الأفكار المبتكرة الإبداعية التي يمكن أن تنقل الرياضة إلى مستويات متقدمة بالمعطيات المتوافرة والظروف القائمة، كتسخير الجهود والإمكانات في دعم المنتخبات والكوادر المتميزة وآلية البحث والكشف عن تلك المواهب، وغيرها من الخطط القصيرة التي قد لا تتطلب ضخ إمكانات مالية كبيرة، ولكن يبقى الاعتماد على المجهودات الحالية التي تقوم بها الاتحادات الرياضية وقد تخدمنا الظروف في بلوغ نهائيات آسيا أو نهائيات كأس العالم، خصوصا أن الفرق والمنتخبات الأخرى بالقارة تشاركنا نفس الظروف، مع العلم هناك منتخبات آسيوية متقدمة في واقعها الرياضي المحلي ولكن لديها مشكلات وظروف أخرى، والرياضة العمانية تتميز بوجود المواهب والكوادر المتميزة، كما أن هناك شارعا رياضيا لديه اهتمام كبير بالرياضة وخصوصا كرة القدم ومتابعة جماهيرية كبيرة، وهذه ميزات ربما لا تتوافر لكثير من الدول المجاورة، وعلى القائمين بالرياضة المحلية معالجة الظروف والأسباب التي يمكن معالجتها وفقا للإمكانات الرياضية المتوافرة، وهنا يتطلب وضع خطة مزدوجة للوصول إلى المستوى الآسيوي المتقدم والمستوى العالمي، وعلى كل اتحاد أن يضع خطته ودراسته مع وجود القيد المالي، والعمل وفقا لهذا القيد خصوصا إذا علمنا أن هناك منتخبات وصلت للمستويات القارية المتقدمة وبلغت العالمية وتشترك معنا في نفس الظروف، وخصوصا منتخب كرة القدم الذي كان يسمى برازيل الخليج كان يمكن أن يصل في وقت ما إلى مستويات متقدمة ولكن المشكلات الإدارية في حينه واستقدام مدربين ذوي إمكانات متدنية حال دون ذلك .
غالبا الظروف والأسباب تتعلق بالأضلاع الثلاثة التي تشكل أي مؤسسة وهي القيادة أو الإدارة، أما الضلع الثاني فهو الأجهزة القائمة على المتابعة كالجهاز الفني والإداري، ويأتي الضلع الثالث المكمل وهو النظام المعمول به وتنفيذ الخطط ومن يقوم بالتنفيذ. وللحديث بشكل مفصل فإن تكاملية هذه الأضلاع الثلاثة ونموذجيتها هو الأساس في تحقيق النجاح على مختلف المستويات، فالتخطيط السليم القريب والبعيد المدى لإعداد منتخباتنا الوطنية يجب أن يكون بالشكل السليم مع الاهتمام بالقاعدة والخطط والبرامج تدريبية وانتقاء الكوادر والبحث عن المواهب واستقدام مدربين ذوي مستوى عالٍ، وإقامة بطولات دولية وتشكيل منتخبات حسب المحافظات واختيار الأنسب لتمثيل المنتخبات الوطنية بجدارة كلها مسارات مهمة في تقدم الرياضة العمانية، كما أن حالة النشاط الرياضي للعبة والدوري المحلي علامات مساعدة وكيفية تنشيط الرياضة المحلية والمدرسية بالسلطنة كلها تساعد في تقدم الرياضة .
في البطولة الخليجية الأخيرة لا يمكن أن نلوم لاعبي المنتخب فقد قدموا كل ما لديهم من جهد والجماهير العمانية ترفع لهم التحية، وتقدم لهم بطاقة شكر لما قدموه فهم قبل أقل من عام كانوا أبطالا للبطولة الخليجية الماضية بالكويت، واليوم كانوا هم الأقرب للتأهل لو ترجمت الظروف والأسباب بالشكل الصحيح .
الجهاز الفني الذي يتولى مسؤولية المنتخب بمختصر العبارة هو أهم أسباب التراجع والإخفاق في عدم بلوغ المنتخب الدور الثاني أو المربع الذهبي للبطولة، وهذا الرأي أقرب للإجماع من قبل النقاد، وبلا شك أن الأسباب الفنية كثيرة ومتعددة من خلال المباريات الثلاث التي لعبها المنتخب في البطولة، مع العلم أن رواتب مدربي منتخبنا في السنوات الأخيرة بلغت مستويات قياسية، إلا أن هناك عددا من المدربين تولوا الإشراف على منتخبنا الوطني لم يحققوا شيئا يذكر خلال مشاركاتهم الماضية، بل أدت إخفاقاتهم إلى حدوث تراجع معنوي للكرة العمانية. وقد يقال إن مدربين كبارا فشلوا في بعض المنافسات لكنهم لم يفشلوا على الدوام، ما يعني أن المشكلة في اختيار المدرب منذ البداية، وللأسف يكون الإجراء الأخير هو الاستغناء عن المدرب ودفع الشرط الجزائي، وقد حدث ذلك أكثر من مرة وسيتكرر للأسف الشديد. وإسقاطا على البطولة ذاتها، فهناك بعض الظروف التي ربما لم تخدم المنتخب أيضا، ولبطولة الخليج خصوصيتها الاجتماعية وظروفها النفسية وما يسود لقاءات الأشقاء في الجوار من حساسية يطغى فيها العامل النفسي عكس باقي البطولات الأخرى .
نحن في السلطنة ولله الحمد نمتلك ميزة مهمة نتفوق بها على الكثير من الدول، وتمثل عاملا إضافيا في تحقيق نتائج إيجابية بوجود المواهب الرياضية ووجود شارع رياضي متعطش وثيق الصلة بالمنتخب ويسانده أينما حل وارتحل، وكانت لهم مشاركات واضحة في البطولات الدولية، ومشاركة جماهيرنا الوفية تعد مشاركة فاعلة، وتعتبر الأنشط على الصعيد الخليجي، وكان ذلك واضحا في الكويت ثم في قطر وحتى في نهائيات آسيا بالإمارات وفي جميع مباريات المنتخب على أرض السلطنة، وهذا عامل مهم جدا ومؤثر في دعم المنتخب، كذلك هي المتابعة الجماهيرية من خلف الشاشات والتي تشمل غالبية الشعب العماني المتابع لمنتخب بلاده، وهذا بلا شك له إضافته المعنوية الكبيرة وعنصر مهم من عناصر الفوز والنجاح والتقدم، وقد كان لافتا في بطولة الخليج الماضية بالكويت، وبالتالي يجب استثماره في المستقبل بالشكل المثالي والصحيح .
لن أستعرض كل الأسباب الكامنة وراء عدم تأهل المنتخب في هذا المقال فالمتابعون والنقاد الرياضيون ربما أشاروا لكثير من النقاط السلبية في البطولة، والأهم هو استعراض الأسباب العامة التي غالبا ما تخلق البيئة الصحية للرياضة العمانية والوضعية النموذجية لبلوغ المستويات العالمية. وتبقى مسألة مهمة لا بد من التأكيد عليها وهي مدى الاهتمام بالمدارس الكروية بمختلف المراحل السنية وكيفية الوصول بها إلى مستويات متقدمة كونها تمثل أمل كرة القدم العمانية، وهي مسألة مهمة جدا في تحقيق النجاح.
وختاما نكرر الشكر لنجوم منتخبنا وجماهيرنا الوفية التي ساندت المنتخب بالدوحة في خليجي ٢٤، ونأمل أن يكون القادم أفضل بعون الله، ولا شك أن الرياضة تحقق أهدافا سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وبالرياضة تتحقق نجاحات وطنية شتى. لذا فهي تستحق منا الكثير .
خميس بن عبيد القطيطي
[email protected]
#عاشق_عمان