ينشط الحديث إعلاميا في الآونة الأخيرة عما سمي بالمصالحة الخليجية بين أطراف الأزمة، وقد كانت بطولة الخليج العربي لكرة القدم الأخيرة بدولة قطر “خليجي ٢٤ “بادرة متقدمة في هذا الصدد لما تحمله هذه البطولة من أهمية على المستوى الخليجي. واللافت أن المشاركة جاءت بعد إعلان اعتذار سابق عن البطولة مما يشير إلى وجود بوادر لمصالحة خليجية آن أوانها وهو ما تتمناه جميع الشعوب الخليجية. فالخلافات لا تخدم أحدا، بل تقضي على جميع مسارات العمل الخليجي المشترك، وتفرق الكلمة وتضعف الموقف ولا تزيد هذه الكيانات إلا تشرذما، وهذا بلا شك في صالح دول الاستعمار التي تنفذ أجندتها من خلال تسويق هذه الأزمات، وقد أسهمت بالفعل في إغراق دول الخليج في أزمات إقليمية أخرى، وضاعفت من حجم الخسائر التي طالت الجميع.
نأمل أن تكون دول مجلس التعاون الخليجي أيقنت أهمية المصالحة دون تدخل خارجي وتداركت نفسها بالمضي قدما لطي صفحة الخلاف، وإنهاء هذه الأزمة بعد أن تصاعدت في وقت من الأوقات، ونحمد الله أن الأمر لم يصل إلى ما هو أسوأ، وذلك بفضل جهود المخلصين من قادة دول المجلس الأخرى. وفي هذا المقام نرفع تحية إكبار وإجلال لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وأخيه صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت للمواقف العظيمة والمساعي الخيرة في سبيل إعادة العلاقات الخليجية إلى سابق عهدها، ونأمل أن تسير الأمور إلى الاتجاه المنشود بعون الله، لأن استمرار الخلافات يدفع الجميع إلى مآلات مجهولة العواقب.
انعقاد القمة الخليجية الـ(٤٠) بالرياض أمس الأول وحضور جميع دول المجلس بحد ذاته يعد أيضا بارقة أمل مطمئنة، وتحمل دلالات مهمة بأن الأمور تسير على ما يرام في طي هذا الملف ولو تطلب الأمر وقتا إضافيا من أجل تصفية بعض العوالق الناشئة جراء هذه الأزمة، ولكن طالما أن الأمور اتجهت في مساراتها الإيجابية خلال الأيام الماضية فكل ذلك يدعو للتفاؤل بنهاية وشيكة للأزمة التي تعد أخطر أزمة منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي عام ١٩٨١م.
بصمات الخارج دائما واضحة في مختلف ملفات المنطقة فيما يخدم أجندته، فمن يمتلك قوة التأثير على دول المجلس كان يمكنه إجهاض هذه الأزمة في مهدها، ولكن للأسف لم نلمس أي مسعى حقيقي للحليف الخارجي في سبيل إنهاء هذه الأزمة عدا بعض التصريحات لأغراض استهلاكية، ما يشير إلى وجود أهداف مشبوهة لدى الخارج من خلال استمرار الأزمة، واليوم نجد بوادر فجائية ومؤشرات إيجابية لتحقيق هذه المصالحة رغم أنها لم تتحق فعليا على أرض الواقع.
نستطيع القول إن هناك رغبة حقيقية من قبل الخارج لدعم ملف المصالحة، ليس لأن هذه المصالحة تمثل أهمية استراتيجية لصالح دول الخليج أو في إطار التنمية، بل لأنها قد تساعد على تحقيق أجندة أخرى تخطط لها قوى الخارج، لأن استمرار هذه الأزمة لا يخدم هذا الاتجاه الذي تخطط له قوى الاستعمار بالمنطقة.
أعتقد جازما ـ إن حدثت المصالحة فعليا ـ أن هناك هدفا مستقبليا قادما ترمي إليه قوى الخارج من خلال الدفع المفاجئ لملف المصالحة الخليجية إلى الأمام، فربما هناك خطة مستقبلية لإعادة تشكيل تحالف عربي آخر تسهم فيه دول المجلس عسكريا أو ماليا أو لوجستيا بفتح جبهة أخرى تشغل العرب جميعا، وبالتالي لا يراد لهذه الأزمة الإسهام في تقليص نجاحات تلك الخطة المستقبلية، وعلى دول الخليج التنبه لمخططات الخارج وعدم الانزلاق في مستنقعات أخرى جديدة، هكذا عملتنا الأيام أن مشاريع قوى الاستعمار الخارجي بالمنطقة لم ولن تتوقف في خدمة أجندتها الشريرة، ولكن بالمقابل فإن مآلاتها غالبا ما يصاحبها الفشل، نظرا لوجود قوى أخرى مقاومة لها تلتزم المبادئ الدولية وحقوق الإنسان، وهذه القوى تعيد تشكيل نظام دولي جديد، وربما هو يتشكل الآن.
خميس بن عبيد القطيطي
khamisalqutaiti@gmail.com
#عاشق_عمان