مع نهاية الحرب العالمية الأولى، شهد العالم ظهور مرض غريب عرف بمرض النوم، الملقب علميا بـ”التهاب الدماغ النوامي”، وتسبب بمعاناة الملايين حول العالم، خاصة مع عجز الأطباء على فهم طبيعته وقدرته على تهديد حياة البشر، حيث تسبب مرض النوم خلال بضع سنوات في وفاة ما لا يقل عن مليون شخص وأصاب كثيرين بإعاقات متعددة، جعلهم غير قادرين على الكلام، وشلّ حركتهم وحولهم لتماثيل بشرية.
وعلى الرغم من ظهور أغلب حالات الإصابة بهذا المرض عقب نهاية النزاع العالمي، يؤمن العديد من الأطباء بظهور أول المصابين ما بين عامي 1915 و1916، حيث ظهر على عدد كبير من الجنود أعراض النعاس والفتور والهذيان أثناء تواجدهم بمستشفى باريس.
بادئ الأمر، ظنّ الأطباء أن الأمر مرتبط بتأثير السلاح الكيمياوي الذي استخدمه الألمان قبل أن يتراجعوا عن هذه التحاليل خلال السنوات التالية.
من جهة ثانية، شهدت نفس الفترة انتشار وباء الأنفلونزا الإسبانية التي عصفت بالعالم لتحصد أرواح زهاء 50 مليون شخص.
وبسبب هذا العدد الهائل من الضحايا، ركّز أغلب المؤرخين على وباء الأنفلونزا الإسبانية وتناسوا مرض النوم.
في الأثناء، قدّم الطبيب النمساوي المختص في أمراض الأعصاب قسطنطين فون إيكونومو (Constantin von Economo) سنة 1917 وصفا دقيقا لمرض التهاب النخاع النوامي فربط بينه وبين النوم وتحدّث عن أعراضه الأولى التي تراوحت بين التوعك وآلام الرأس قبل أن تنتاب المريض حالة من النعاس والهذيان تقوده أحيانا نحو الموت.
وبعد مضي بضع سنوات عما نشره فون إيكونومو، حوّل مرض النوم حياة ملايين العائلات لجحيم، فتنقل من منزل لآخر مهددا حياة قاطنيها الذين عجزوا عن صدّه.
وقد أصاب هذا المرض أساسا الأشخاص الذين تراوحت أعمارهم بين 15 و35 سنة وشابهت بعض أعراضه أعراض الأنفلونزا، فارتفعت حرارة المصاب وعانى من الصداع والتعب ورشح الأنف.
وعلى حسب عملية تشريح أجراها فون إيكونومو على أحد ضحايا هذا المرض، لاحظ الطبيب النمساوي انتفاخا حادا عند مستوى تحت المهاد، الهايبوثلاموس (hypothalamus)، التي تحكمت بالعديد من الوظائف بالدماغ البشري.
ومن ضمن المصابين بهذا المرض، فارق الثلث الحياة وعانى ثلث آخر من إعاقات دائمة بينما تمكّن البقية من النجاة وشُفوا بشكل تام.
بعد 10 سنوات من التحاليل التي قدّمها قسطنطين فون إيكونومو، اختفى مرض النوم، المعروف أيضا بالتهاب الدماغ النوامي، بشكل تدريجي وظلّ غائبا لعقود قبل أن تظهر بعض حالات الإصابة المنعزلة به.
في الأثناء، ظلّ هذا المرض لغزا حيّر الأطباء والباحثين على الرغم من ظهور بعض الاقتراحات التي ربطت بينه وبين نوع نادر من بكتيريا المكورة العقدية (streptococcus bacteria)، وتحدّثت عن قيام جهاز المناعة لدى المريض بمهاجمة أجزاء من الدماغ.
المصدر: العربية.نت – طه عبد الناصر رمضان
#عاشق_عمان