يبدو لي أنَّه في ظل بروز مشكلة الباحثين عن العمل وتسريح عدد من الشركات للمواطنين، يعود بسبب ضعف التدفقات المالية واعتماد السلطنة على النفط، باعتباره المصدر الأساسي الذي تمثل تدفقاته عمودا فقريا لصناعة التنمية المحلية، هذا الاعتماد على النفط أدى إلى بروز مشاكل وتحديات على مستوى القطاعين العام والخاص.
وتفاقمت المشكلة بعد هبوط وتقلبات في أسعار النفط منذ أكثر من أربعة أعوام، نشأت عنها فجوة كبيرة، انعكست أبعادها على تفاصيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في السلطنة، مما نشأ عنه ما يمكن أن نطلق عليه “الانكماش الاقتصادي”، والذي أصبح واضحاً للعيان، فأصبحت العجلة تدور ببطء مخلفة وراءها تأثيرات طالت مختلف الطبقات الاجتماعية الميسورة والمتوسطة وذات الدخل المحدود وأسر الضمان الاجتماعي، وانعكست آثارها الاقتصادية على مختلف مفاصل الحياة اليومية فتأثرت الشركات بمختلف أحجامها الكبيرة منها والعائلية وحتى تلك الشركات التي تندرج تحت عباءة الحكومة وأيضا الصغيرة والمتوسطة، التي أُريد لها أن تكون ساندا ومؤازرا وشادا على يد الحكومة في المضي بعجلة التنمية نحو مختلف التفاصيل.
خلال قراءتنا لأسباب هذا الانكماش ندرك أنه من الضروري أن نؤمن بأنَّ القطاع الخاص الذي أريد له أن يكون شريكاً استراتيجياً للحكومة يحتاج إلى أن يكون قادرا على العطاء ويُساهم في دفع عجلة التنمية وعلى الحكومة أن تساند هذا القطاع ويجب أن تسند إليه المناقصات الحكومية، بغض النظر عن قيمها المالية، وفي الوقت ذاته فإنَّ القطاع الخاص مطالب بأن يكون أكثر ابتكارا في طرح المشاريع ذات القيمة المضافة وبأسلوب ابتكاري غير تقليدي، ويضع في أجندته توظيف العمانيين ويجب أن نترك هنا للقطاع الخاص حرية التوظيف من منطلق العرض والطلب ولا تتدخل الحكومة في إجبار القطاع الخاص على التوظيف من أجل تحقيق النسبة المطلوبة للتعمين، هذا الأسلوب لم يحقق النجاح بل زاد من حجم المشكلة ونشأ بروز أعداد كبيرة من حملة الشهادات العليا بلا وظائف كون أن الأجور التي حددتها وزارة القوى العاملة مرتفعة بالنسبة لإمكانيات القطاع الخاص الذي يُعاني من قلة المشاريع المطروحة له من قبل الحكومة، وبسبب قلة هذه المشاريع فقد أغلق عدد من الشركات أنشطته تخوفاً من أن تصل إلى مرحلة الإفلاس.
هذه الحالة الانكماشية أصابت القطاع الخاص بالموت البطيء وانعكس هذا على دوره الضخم المأمول، فصارت الشركات، بالكاد تجد قوت شهرها، لكي تدفع التزاماتها من الرواتب والمصروفات الرئيسية، وفي الوقت ذاته، قامت شركات أخرى بالانسحاب، مما أوقع الضرر على من ينتمون وينتمين إلى تلك الشركات.
هناك غياب رؤية لجذب الاستثمار بالتوازي مع سيطرة شركات بعينها على مناقصات المشاريع الكبرى، واستمرار البيروقراطية في بعض المؤسسات، وكل ذلك أدى إلى تراجع ملموس في عجلة الأداء بالقطاع الخاص.
والسؤال المطروح ونحن ندخل عاما جديدا والسنة التمهيدية لتطبيق رؤية “عمان 2040”: هل هذا الوضع سيستمر أم هناك حلول فعلية أتى بها برنامج “تنفيذ”؟ ومازلنا ننتظر قراراته التي لم نلمس تحريكها لمجريات العمل في هذا القطاع حتى هذه اللحظة.
ذكرتُ في مقال سابق بهذه الزاوية أنَّ هناك سلوكيات في مراحل سابقة، بعضها متصل بالعقبات البيروقراطية الإدارية، والتي يمكن وصفها بأحد “أشكال الفساد الإداري” كونه متصلا بالمصالح التي تُزكي فقط، ولا تأخذ الجودة مقياسًا ومعياراً، وهذا نشأ عنه تأثير سلبي على متانة الاقتصاد وسياقاته التي من الضروري أن تكون مستعدة للتعامل مع أي أزمة تنشأ، فضلاً عن الاعتماد المباشر من جانب القطاع الخاص على القطاع الحكومي، الذي يفتقد خططه واستقلاليته والتزامه بالتنافسية البينية في القطاع ذاته.
بات من الضروري الآن، أن تنشأ صلة مباشرة بين الحكومة، مُمثلة في جهاتها ومؤسساتها من ناحية، وبين القطاع الخاص من ناحية أخرى، وذلك بأن يتم تجسير العلاقة مع الراغبين في التعامل مع القطاعات الحكومية، وبخاصة الترويجية والخدمية منها، مثل القطاع السياحي، الذي يُعتبر أرضاً خصبة لنمو الشركات والتوظيف بشكل كبير، لكن بسبب غياب العلاقة التكاملية، صار الدخل السياحي في الناتج القومي ضعيفاً جداً، مقارنة بالمقومات على أرض الواقع.
نعتقد أنَّ مشكلة الباحثين عن العمل يمكنها أن تجد طرقا مختلفة للحل إذا كانت لدينا قناعات، وأعني هنا على أهمية تفعيل الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص. كما إن هناك حاجة مُلحة وضرورية في مراجعة القوانين لضمان مواكبتها للمتغيرات، وجعلها قادرة على استشراف المستقبل، هذا المطلب الذي ينشده الجميع فمتى تحقق سيتلاشى حتماً الانكماش الاقتصادي وتدور عجلة الاقتصاد مستفيدة من القوى العاملة الوطنية التي تمثل ضرورة في هذه المرحلة ويجب الاعتماد عليها ووضع برنامج زمني لتقليل أعداد العمالة الوافدة خاصة تلك العمالة الرخيصة التي انتجت “التجارة المستترة”.
أخيرًا.. نشد على يد القطاع الخاص بتحمل مسؤولياته تجاه توظيف العمانيين وفي نفس الوقت ندعو الحكومة لعدم الضغط وفرض قوانين وإجراءات قد تكون عائقاً أمام الشركات بتحقيق نسب التعمين المطلوبة، فما زال التعمين في القطاع الخاص لم يتجاوز 12%، ويبدو جلياً أن هذه النسبة متواضعة وضعيفة ولا شك أن هناك مشكلة ويجب دراستها لمعرفة العائق أمام عدم تحقيق تقدم في تشغيل العمانيين ونحن نكمل نصف قرن من النهضة المُباركة.
حمود بن علي الطوقي
#عاشق_عمان