تحفل المصنفات العربية القديمة، بعدد من الموضوعات التي هي عبارة عن مأثورات تم تناقلها، إما بصيغة مثل دارج، أو قول مشهور، أو قصة دالّة على حكمة معينة. وعادة ما يلجأ المصنفون إلى وضع هذه الأخبار، تحت عناوين منفصلة تدل على معانيها البسيطة، ويفرَد لها أحياناً كتب منفصلة، خاصة إذا لم يكن بالمقدور، وضعها في كتب اللغة أو النحو. إلا أن غالبية المصنفين العرب القدامى، مرّ على المأثورات العربية، كلّ بطريقته، إذا ما كان المأثور المنقول، يقوّي من حجّته أو يثبت منطقه، أو كان بصيغة التأديب والتعليم، أو كنوع من الرواية في مجالس الحكام والقادة.
ما بكت العرب على شيء بكاءها على الشباب
ومن جملة ما تم تناقله عن العرب من مأثورات، يأتي التركيز على الشباب، إذ كان له الحظوة عند العرب، فكانت تتعلق به تعلقا شديدا، في ذات الوقت الذي كانت توقّر فيه الكبير أو ما تراه في التقدم بالعمر، من حكمة وخبرة. إلا أن الشباب الذي هو صورة للمروءة وسرعة الحركة والنشاط والتمتع بالحياة، كان شغف العرب، بل إنها بكت عليه أكثر ما بكت أي شيء آخر.
ونقل عن يونس ببن حبيب النحوي، تـ 183ه، وهو أحد من نقل عنهم (سيبويه) قوله: ما بكتِ العربُ على شيء بكاءها على الشباب، وما بلغت به كنْه ما يستحق.
وفي ذات السياق، قيل للعرب: ما بالُ شِعركم في الشّيب، أحسن أشعاركم في سائر قولكم؟ فقالوا: لأننا نقوله وفي قلوبنا قرحة! أي حزناً على زمن الشباب الذي ولّى.
إلا أن العبور من الشباب إلى الشيب، ثم نهاية عمر المرء، ترك فيه العرب مأثورا عميقاً، ورد فيه: لولا من يُولَد، لم يبق على ظهرها أحدٌ، ولولا من يموت، لم يسعهم بلد!
وينقل لغويون منهم الأصمعي، أنه قيل لشيخٍ طعن في السن، وبدأ يعجز عن الأكل والشرب: هل تشتهي أن تموت؟ فقال: لا، فسألوه: ماذا تشتهي؟ فقال: أشتهي أن أعيش وأسمع الأعاجيب.
ستة أشخاص لا تخطئهم الكآبة
ومن الشباب إلى الكآبة، وفيها مأثورات للعرب قالت إنها تسقط عدة أشخاص في حبائلها، والأشخاص هؤلاء، وعددهم ستّة، يحملون صفات سلبية يعانون هُم منها، قبل غيرهم. فنقِل هذا المأثور: ستّة لا تخطئهم الكآبة، فقيرٌ حديث عهدٍ بغنى، ومكثرٌ يخاف على ماله التلف، والحسود، والحقود، وطالب مرتبة فوق قدره، وخليط أهل أدب غير أديب.
وقال بعضهم في الحسد: ليس في خِلال الشرّ، خلّة أعدل من الحسد! فإنه يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود.
الرأي يسدّ ثلم السيف
ونقل أن مودة الجاهل، وعداوة العاقل، أسوة في الخطر. وظنّ العاقل أوقع بالصواب من يقين الجاهل. وقيل: كل شيء يعزّ إذا قَلّ، والعقل كلما كان أكثر، كان أعزّ وأغلى. ونقلوا هذه الحكمة العجيبة: إن البلاءَ أن يكون الرأي لمن يملكه، دون أن يبصره. ومن هذا الباب: لا عاش بخير مَن لم ير برأيه ما لم يرَ بعينيه. والرأي يسدّ ثلمَ السيف، والسيف لا يسدّ ثلم الرأي.
ومن الكآبة والرأي إلى مأثور الصفح والعفو، فنقل عن العرب: الندمُ على العفو، أَحَبّ من الندم على العقوبة.
وحول ظاهرة الامتنان المفرط، حيال فضل للغير، كنوع من الشكر الزائد والذي يكون عادة على شيء كبير من المبالغة ودون داع، إذ يمكن الامتنان بإيجاز دون إكثار يفسد مضمونه ويحرفه عن هدفه، فنقلوا: كثرة الامتنان من النِّعم، تهدم الصنيعة، وتكدّر المعروف. وفي المقابل، فمن هَمّ بمعروف، ثم عجز عنه، فقد وجَب شكره. وفي المأثور تعظيم للنية والرغبة والعاطفة، وتلك أصبحت من أساسيات الفلسفة الكلاسيكية الغربية.
ويروى عن أحد أعراب البادية أنه دخل على الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، فأثنى عليه، فقال له الخليفة: إنّا لا نُحِب أن نُمدَح في وجوهنا. فقال له الأعرابي: لستُ أمدحك، ولكنّي أحمد الله فيك. تعظيماً للخليفة.
من أمثال العرب
ومن المأثورات العربية، الأمثال، فهي تكثيف لحكمة أو تجربة أو حادثة ذات مضمون. فقالت العرب: “صبراً وإن كان جمراً”. و “ربّ لحظِ أصدق من لفظ”. و “لا تدخلْ بين العصا ولحائها”. و”صدرك أوسع لسرّك”. و “سكتَ ألفاً ونطق خلفاً”. و”لا تعدم الحسناءُ ذاماً”. و”ربما كان السكوتُ جواباً”.
و”بين الخواطئ سهمٌ صائب”. و”لا يجتمع السيفان في غمد”. و”مرة جيش ومرة عيش”. و”الحربُ غشوم”. و”من يمشي يرضى بما ركب”. و”ليس لمكذوب رأي”. و”كلّ ذات صدار، خالة”. و”أَمكْرٌ وأنتَ في الحديد؟!” و “ربّ صلف تحت الراعدة”.
وقالوا: “إياكَ أن يضرب لسانُكَ عنقَك!”
و “لم يذهب من مالك ما وعظك”. و”من استرعى الذئبَ، ظلَم”.
ومن الأمثلة المستظرفة: “أنتَ أعلم باللقمة أم مَن غصّ بها؟”
ومن الأمثلة القديمة التي حوّرت حديثاً، “اذكر الغائب يقترب”، أو “اذكر غائباً، تَرَه”. و “زُيّن في عين والدٍ، ولده”. و”تأخيره خيرٌ من تقديمه”.
المصدر: العربية.نت – عهد فاضل
#عاشق_عمان