ولِد في بلدة صغيرة في عُمان، على ساحل الباطنة، وتسمّى (ودام الساحل) مع نهاية القرن الأول الهجري، وما إن بدأ يشبّ حتى هاجر إلى البصرة العراقية، في صباه، لتكون تلك المدينة، ومعها اللغة العربية، على موعد استثنائي، مع رجل “خُلِق” من الذهب والمِسك، كما وصفوه، وهو الخليل بن أحمد الفراهيدي (100-175) للهجرة، بحسب ترجمته في معجم أدباء ياقوت الحموي الذي قال إنه يكنّى بأبي عبد الرحمن “وهو من أعمال عُمان من قرية من قراها، وانتقل إلى البصرة”.
أصحابه يكسبون الأموال بسببه
وقيل بالخليل، الكثير، من مثل “أعلم الناس” و”أذكى الناس” و”أفضل الناس” بل نقل فيه، أنه لم يكن في العرب بعد الصحابة، أذكى من الخليل بن أحمد ولا أَجمع. وعلى الرغم من شهرة هذا الرجل، بين الناس، فقد كان متعففاً. وللمفارقة، فإن أصحابه وتلامذته، كانوا يكسبون الأموال من خلال عِلم العربية الذي أخذوه من الخليل، وهو الرجل الذي كان يعيش في “خصّ من أخصاص البصرة لا يقدر على فلسين، فيما أصحابه يكسبون الأموال، بعِلمه”.
ولم يكن الرجل واسع المعرفة بالعربية وواضع أول قواميسها، وواضع علم العروض، ليتأفف من تلك الحال، بل يقول: “إني لأغلق عليّ بابي، فما يجاوزه همّي”.
الخليل المصنوع من الذَّهب، عاش في شبابه “فقيرا محروماً من كل شيء” بحسب تاريخ الأدب العربي لعمر فرّوخ، والذي لا تجمع كل مصنفات العربية، على أنه ولد في عُمان، بل جميعها يؤكد أصله العماني إلا أن البعض يقول بولادته في البصرة لا الهجرة إليها، تلقى علم النحو العربي على يد عيسى بن عمر الثقفي وأبي عمرو بن العلاء، وآخرين. وانتهى لأن يكون إماماً في علم اللغة العربية والنحو، ومن أشهر العارفين بأنساب العرب. وقد قيل فيه كل ما سبق، وغيره، لأنه أوّل من استخرج علم العروض ووضع له القوانين. حيث علم العروض هو أوزان الشعر كلّه فقيل فيه “فاستخرج العروض، واستنبط منه ومن علله، ما لم يستخرجه أحد ولم يسبقه إلى مثله سابق”. وكذلك قيل بالخليل ما قيل، لأنه أوّل من وضع معجماً للغة العربية، هو كتاب العين.
صاحب العين والعروض!
وأطلق الخليل على معجمه اسم كتاب العين، لأنه نسّق الكلمات العربية بحسب مخارجها من الحلق والفم، وكان أقصى حرف عربي يخرج من الحلق، هو حرف العين، فبدأ الخليل به حرفاً أول لمعجمه الأول في العربية، لتبدأ الحروف كما يلي بحسب التقسيم الفراهيدي لمخارج الحروف العربية: العين، الحاء، الهاء، الخاء، الغين.
ويشتهر الخليل عندما يرد اسمه في المصنفات العربية، بلقب “صاحب العروض” أكثر من “صاحب العين” ذلك أن كتاب العين، قيل فيه الكثير لدى المصنفين العرب القدامى، ومنهم من يرى أن الخليل وضع أساسيات معجمه، إلا أن تلامذته هم الذين نفذوها، فيما يرى مصنفون آخرون، أن الخليل بدأ معجمه، ولم ينهه، فأكمله تلامذته. بل إن النقاد الذين حققوا في كتاب العين، ووجدوا فيه ما يمكن الطعن عليه، نسبوا تلك الأخطاء إلى تلامذة الخليل الذين أكلموا كتابه بعد وفاته “فلهذا وقع فيه خلل كثير، يبعد وقوع الخليل في مثله”. بل منهم من يقول إن كتاب العين ليس من تصنيف الخليل، أصلا، كما ورد في وفيات ابن خلكان. إلا أن المحقق هو نسبة العين إلى الخليل، وبذلك يقرّ كبار العربية، وآخرهم ابن خلدون.
خُلقَ من الذَّهب
ويشار إلى أن الخليل المولود على ساحل عُمان، والمهاجر إلى البصرة العراقية، إنما أخذ علمه في اللغة، من أفواه العرب خاصة، فكان ينتقل بين أحياء العرب وبواديهم ليسمع اللفظ الفصيح كثير الاستعمال عندهم، ولهذا قال إنه أخذ عِمله في اللغة العربية من “بوادي نَجْد وتهامة” عندما سئل في ذلك، فقد شغل الخليل الناس بسعة علمه في كلام العرب، فكشف عن معدن الفصاحة الذي نهل منه في بوادي نجْد.
ومات الفراهيدي بعدما كان يمشي شارد الذهن، مشغولاً بعملية حسابية أو عروضية، فصدمته سارية وهو في طريقه إلى المسجد.
فقال عنه تلامذته: ما رأى الراؤون مثل الخليل، ولا رأى الخليل مثل نفسه. ونقل معجم أدباء ياقوت الحموي، أحد أشهر مما نقل وقيل في صاحب العروض وصاحب العين، فقال: من أَحبَّ أن ينظر إلى رجل خُلِق من الذَّهب والمسك، فلينظر إلى الخليل بن أحمد.
المصدر: العربية.نت – عهد فاضل
#عاشق_عمان