كان هذا الليلُ مختلفًا..
الرياحُ تعصفُ بما تبقى من جردِ النخيل..
كانت السماءُ تُمطر دموعًا
على أديمِ التراب ..
وبعض همس المارقينَ في زوايا الظلمةِ ..
يشي بشيء مختلف ..
غماماتُ القلقِ تتأرجحُ حولي ..
فالمدينة تغطُ سُباتًا في الجزءِ
الأخيرِ من الليل ..
لولا ذاك التضاد الذي يسكنها ..
بعض أوراق الوشاياتِ حملتها الريحُ
خِلسة ..
قبل أن يتمزقَ قميصُ هذا الليل
تُنبئ عن رحيلِ رجلٍ عظيمْ ..
فالموتُ يتغّلبُ على كلِ البشر ..
أرى نفسي وحيدًا أمام هذا الليل
الشتوي البارد .. بانتظارِ الفجرِ ..
علّه يحملُ بِشارات التكذيب ..
لكن كل شيء كان يوحي بالبؤسِ ..
يتساقطُ الخبرُ السيئ من أجفانِ الليل
في كبد الصباح ..
قابوسُ رحل .. قابوسُ ماتْ
كان الفجر مُتشحًا بدثارِ الضباب ..
قابوسُ ماتْ .. ألسنٌ تُردد كثيرًا
تلك العبارةِ ..
نهض الوطنُ على ذاتِ النداء ..
ولازالتِ السماء تسّحُ دموعًا ..
نهض الوطن مفجوعًا في عيونِ أبنائهِ ..
وأنا كزورقٍ يدورُ في بحرٍ محصور ..
قابوسُ رحل .. وتفاصيلُ الرحيلِ مرسومةٌ
على الملامحِ الكئيبةِ ..
والحزنُ يطرقُ بابَ الجميع ..
كيف استطاعَ الليلُ أن يخطفَ منا
هذا الرجل ..
تعساءَ أصبحنا أمام وجه الشمس ..
طفلٌ يتسمرُ أمام شاشةَ التلفاز
مُسّنةٌ تضع المذياعَ قرب أذُنيها ..
تود أن ينقل هذا المذياع
ما يُكذب الخبر ..
شيخٌ يقتعد الرصيف مُتكئًا على عصاه
يبكي .. قابوس رحل .. هل حقًا
قابوس رحل ..
ويجهشُ في قاعِ القلوبِ نواح ..
لتلعو أصوات الوداعِ في كل عُمان ..
ويعلو النشيجُ والتكبيرُ والدعاءْ ..
خمسونَ عاماً سقطت أعمدتها ..
وما انطفأت أنوارها ..
خمسونَ عاماً وجهًا وحيدًا نراهُ
وأبًا حكيمًا عرفناه ..
خمسونَ عامًا يا أبي قابوس ..
إلى أين شددتَ رحيلكَ ليلاً
ونحن وتلك القلوب وأولئك
الباحثونَ عن مأوى .. والزائرونَ
المتشدقون بالسلامِ .. يارجلَ السلامِ
لمن تتركهم ..
وأولئك الفقراءُ والبسطاءُ والمقهورين
في الأرضِ لمن
تتركهم ..
اليوم .. جميعنا يقفُ على أبواب النهارِ
بأفواهٍ خرساء .. وعيون منكسرةٍ ..
قد أكد الصبحُ همهماتِ ذاك المساءِ
الماطرِ والموحشْ ..
واجتمع الجميعُ على حافةِ الوجع ..
عسكريون ومدنيون
شيبةٌ وشُبانٌ
رجالٌ ونساءُ
اجتمعوا .. ليشهدوا الوداع الأخير ..
مُلوحين بأيديهم
وداعًا أبانا قابوس .. ستبقى مالكًا للقلوب
وتاجًا على الرؤوس ..
وآهٍ .. ثم آهٍ .. ثم آهٍ من عذابات
الفقدِ .. إن كان ذاك الفقدُ موتًا
في كنفهِ قابوس …
محمد الطويل
11 /1/2020
#عاشق_عمان