أكّد العلماء، في اكتشاف جيد، علاقة سببية، بين نوع من الشّيب الذي يضرب الشَّعر، والتوتر أو الهموم، عند الشخص الذي وخَطه الشيب، كما كانت العرب تقول.
واستهلّت “رويترز” في تقرير لها عن الموضوع، قصة ماري أنطوانيت التي شاب شَعرها، تماماً، قبل أن يتم إعدامها بالمقصلة، سنة 1793 للميلاد، على أنها كانت من القصص الشعبية، بحد قول الوكالة، وأنها كانت المثال على ظاهرة الشيب المرتبط بالتوتّر، على الرغم من أن العلماء لم يكونوا قد اكتشفوا بعد، تلك الآلية التي تسبب الشيب عند التعرض للشدائد، إلا أن يوم الأربعاء الماضي، شهد الكشف عن تلك الآلية.
وبحسب الاكتشاف المذكور، فإن الجسم يستخدم آلية عند مواجهة الخطر، اختصرت بجملة “لا مفرّ من القتال” بمعنى المواجهة المفروضة التي لا مهرب منها. وكشف الباحثون البيولوجيون، من خلال دراسة أجريت على الفئران، كيف يترك التوتر أثره على الخلايا الجذعية في بصيلات الشَّعر، وهي المسؤولة عن صناعة الخلايا الصبغية التي تمنح الشعر لونه، وأيا كان هذا اللون، أسود أو أحمر أو أشقر.
ووجد العلماء الذين قاموا بالتجربة، أن الجهاز العصبي، يلعب دورا أساسياً في العملية التي تفضي إلى نوع من الشيب بسبب التوتر، عبر رد الفعل الذي يقوم به عند مواجهة الأخطار، فيتم إفراز مادة كيمياوية تترك أثراً دامغاً في الخلايا الصبغية المسؤولة أصلا، عن منح الشعر لونه، لتنتهي العملية، بعدم قدرة الخلايا الجذعية على تجديد الصبغة.
هذا الرجل شيَّبه الحزنُ!
ومن الجدير بالذكر، أن مقولة تأثير الحزن أو الهم أو التوتر أو الصدمات أو المواجهات، على شَعر الإنسان، فيبيضّ فيسمى الشيب، مقولة منتشرة بكثافة في محفوظات اللغة العربية، منذ قرون، ذلك أن العرب قد خبرت الموضوع، ونقلت نتائجه في المرويات اللغوية والأدبية، وبدا راسخاً كقناعة أو حكمة، بدون أن يكون نتيجة تجربة علمية، بل تجربة اجتماعية، على ما بدا في مصنفات عربية قديمة.
ففي اللغة العربية يقال: شيَّبه الحزنُ، أو شيَّب الحزنُ رأسه وبرأسه. كما في (لسان العرب) و(المخصص) و(تاج العروس). وهي مقولة تؤكد تلك النوعية من الشَّيب الناتج من توتر أو غم أو هم أو مواجهة وصراع. من دون تجربة بيولوجية، بل نتاج خبرة اجتماعية. وشيّب الحزنُ الرجلَ، بيَّض شعر رأسه، من المكابدة والتألم. وشيّبه الحزنُ، سبّب له الشيب وبياض الشعر.
وأضاف الشعر العربي، تأكيداً على تلك النوعية من الشيب الذي تتسبب به حوادث الدهر والمصائب، بل تحوّلت إلى قناعة راسخة تربط ما بين الألم والشيب، حيث يرد الاثنان، معا، في ظاهر سببية تم الإيمان بها منذ زمن بعيد.
ويرد في كتاب (التذكرة الحمدونية) بيت شعري، للشاعر الأندلسي عبدالرحمن بن أحمد المشهور بأبي حبيب المغربي، والذي سبق لأبيه وخاض تجربة عنيفة في عمله، عندما أنكر شريكه في التجارة، ما له من مال عنده، فخرج فقيراً إلى الأندلس، ويقول ابنه أبو حبيب رابطاً الشيب بالأهوال:
مكابداً فيه ألواناً يزول بها
صبرُ الجليدِ ويجفو جَفنَهُ الوَسَنُ
يَبْيَضُّ مِن هَوْلها رأسُ الرضيعِ أسىً
ويغتدي أسوداً في ضرعه اللّبَنُ!
كذلك يتكرر التأكيد على الربط ما بين المكابدة والشيب، أو الألم، وتلك النوعية من الشيب، في بيت لإسحاق الموصلي إذ يقول:
إذا المرءُ قاسى الدهرَ وابيضّ شَعرهُ
وثُلِّم تثليمَ الإناء جوانبه
الشيب وقار
وكان يقال: “الشّيبُ تبسُّم المنايا” ونقلت المصنفات العربية أن أكثر شيء بكت عليه العرب هو الشباب، وقال يونس بن حبيب النحوي المتوفى سنة 183 هجرية: “ما بكت العرب على شيء، بكاءها على الشباب، وما بلغت به كنه ما يستحق”.
إلا أن الشيب، في المقلب الآخر، سواء جاء من ألم أو توتر أو مجرد تقدم في السن، فهو مما يمدح ويعتبر علامة من علامات امتلاك الخبرة والحكمة والوقار، بحسب ما جاء في منقولات شعرية عربية عديدة، من مثل قول القائل:
لا يرُعْكِ المشيبُ يا ابنة عبد الله فالشيب حليةٌ ووقارُ
إنما تحسن الرياضُ إذا ما ضحكت في خلالها الأنوارُ
أو قول الشاعر البحتري:
لا تَريه عاراً فما هو بالشيب ولكنه جلاءُ الشبابِ
وبياضُ البازيّ أصدق حُسْناً -إن تأمَّلتِ- من سواد الغرابِ!
المصدر: العربية.نت – عهد فاضل
#عاشق_عمان