في الثانية ظهرا يوم الجمعة تلبدت السماء بالغيوم حاملة في دواخلها أمطار ومزن وضجت هواتف عمان برسالة مفادها ( إعلان حالة طوارئ في البلاد والحالة الأمنية باغت أقصاها فكانت حمراء ) لم نبالي لهذه الرسالة وقلنا بأنها رسالة للتأكد من جاهزية قوات قابوس الباسلة وأخذتنا ضحكات الأطفال وتناسينا الأمر .
وأفلت شمس الغروب وعم الهدوء المكان وتسامرنا قصصا من هنا وحواديت من هناك . وتفارقنا عند الساعة 10 مساء والكل في جوف صلاته على ذاك الفرش الخفيف كان قلبه يدعو بأن يكون الوالد القائد قابوس بن سعيد المعظم بخير وعافية .
وقرع جرس أبواب عمان عند الرابعة فجرا حاملا بين يدي ساعي البريد رسالة عاجلة ختمت بالشمع الأحمر لأهميتها وأنامل أيادينا ترتجف من محتوى هذه الرسالة السرية قبل يوم أمس والتي أصبحت الآن عامة النظر للشعب الكريم .
وقبل فتح الرسالة سور التعويذات تهاتفنا بأن المصاب جلل والخبر مفجع وليس فيه خلل فلزاما عليكم الإيمان بقضاء رب العالمين باعث النبيين والرسل وغافر الزلل . فلم يمهلنا القدر فترة للتفكير ما خبأت رسالة البريد في محتواها من هول ما قد يعم في الدول وإذا في أعلى الرسالة على جهة الميمنة اسم مكتب شؤون القصر وقبل نزولنا للموضوع في سفلاه رأينا الحبر قد سالت حروفه كأنها صرخة بشر في أمر ضجر وخر من طباعته لهذا البيان الزجر وقال بالله عليكم يا شعب عمان لا تلوموني فأنا كنت أتودد طابع هذا البيان بأن يتنحى جانبا لأني أود البكاء والعويل وكنت أتمنى أن يكون هذا حلم وفي فترته ليس بطويل لكي أصحى باكرا وأرتشف نسمات من هواء عليل وإن كان نبأ صدق فالتمس منك العذر فأنا لن أطبع حرفا في نعي السلطان الأصيل وحتى الأحبار الأخرى لا تجبرها تنزف حبرا في هذا الأمر الأليم لأنها حتما ستكون من معي ونحن من أوائل الرعيل .
ولكن قدرة الله وقضائه سبقنا جميعا نحن العمانيون وفاضت روح باني هذا العزيز ، مفجر الطاقات النبيل ، ملهم الأجيال القويم ، سلطان القلوب ذو شجن الحنين .
مالي أرى تاريخ أرشفة هذا النبأ كان في عام 1996 أم أن عيوني أصابها نزول أبيض فلم تعد تميز بين الأرقام ؟
يا لهول الحكمة التي يلقنها إياها هذا الرمز الخالد ، السهم الراصد ، العبد الحامد ، السلطان الزاهد ، الأب الرافد ، العسكري القائد ، القوي السؤدد ، المكافح الطارد ، محطم المكائد ، عازم الشدائد ، المؤمن العابد !!!!!!
يا ترى كيف فكر فيمن سيخلفه في الحكم وكيف توسم فيه صفات القائد ؟
وتحركت مواكب التشييع الرسمية المهيبة التي حملت نعش سلطان عمان الشهم الأشم المغوار ذو الحكمة والهيام و حمام الوئام ورجل السلام وذكراه عالقة بين جدران قصره المبارك وحرسه الخاص خلفه يبكون هول المصائب ويكفكفون دمع السحائب .
مالي أرى الشوارع والقرى والمدن والنخيل تبكي من داس بساط أرضها وتنقل بين جنباتها وزرعها وأكل من ثمرها ؟
هناك طفل اختبأ خلف جدار متهالك وعينيه ملفوف حولها وشاح بابا قابوس ويبكيه بحرقة وهو لا زال في المهد صبيا !!
والرجل المسن والعجائز تجمدت أرجلهم وتتزلزل من تحتهم الأرض فهي الأخرى تشاركهم حزنهم ، كيف لا والسلطان قابوس أمر بزراعة الأراضي وحسن الزراعة وحسن السقيا !!
والشاعر تاه في غيبوبته يراود نفسه لعلها تقدح شعرا في فقيد الوطن العزيز . والصحفي جف حبر قلمه ورفعت صحفه وتلاشت الأوراق لاقتناعه التام الحدث الجلل لن تستوعبه مفردات الكاتب .
يا ترى كيف استقبل معالي الفريق أول سلطان النعماني ومعالي الفريق أول حسن الشريقي نبأ الوفاة وهنا أتوجه بسؤالي لمعالي سلطان النعماني ، بالله عليك كيف استطعت تمالك نفسك عندما تذكر اسم قابوس وربطته بكنية المغفور له ونسيت حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – يا لرباطة جأشك يا معاليك ؟
دعونا نعود للخلف ، هناك تداولت الهواتف مقطع بكاء معالي خالد البوسعيدي وزير الديوان الموقر ، البكاء في حضرة الفقد العزيز مسموحة النزول يا ابن هلال !!
وحل الجثمان الطاهر الطيب فرش الجامع الأكبر عفوا أقصد جامع السلطان الأكبر وتناثر المصلون يزاحمون بعضهم للتقرب من لمس العلم الذي تغطى به جسد حبيبنا وفقيدنا ومعلمنا الراحل قابوس بن سعيد رحمه الله وطيب ثراه ، فيا علم كن بردا وسلاما على الروح التي تغطيها !!
وحاملة المدفع تنازلت عن مهامها وأنزلت المدفع لتحمل أطيب الأجساد على ظهرها لتوصله إلى قبره السلطاني الإنساني المتواضع ، وبكت بوشر بحرقة وغطت وجهها بقماش خمري غامق لكي لا يراها جثمان القائد الأعلى للقوات المسلحة وقبعت في زاوية توارت عن الأنظار والجثمان بات على بعض خطوات من دفنه ونثر التراب عليه .
مضى من اشتقنا لرؤية مواكبه الميمونة !!
مضى من اشتقنا لضحكات محياه الحانية !!
مضى من اشتقنا لاستقبالاته للرؤساء والملوك والوفود الرسمية !!
مضى من اشتقنا لرؤية حضوره المهيب في القمم الخليجية والعربية !!
مضى من اشتقنا لطلاته العسكرية المهيبة !!
مضى اشتقنا لملاطفته الأطفال الفرسان في عاديات الفروسية !!
مضى من اشتقنا لمن هتف له أبناء اليمن السعيد بكافة فروعها القبلية !!
مضى من اشتقنا لسماع خطاباته ذات الحكمة الأبوية !!
مضى من اشتقنا لتحية السلام السلطاني وباسمه تبشرت حناجر أبنائنا الشجية !!
مضى من اشتقنا لمتلازمة قابوس التي أصابت أرض عمان وقلوب شعبها الأبية !!
مضى من اشتقنا لركوبه فلك السلامة وآل سعيد ، عفوا هذه يخوت سلطانية !!
مضى ابن سعيد وتركنا أيتاما نتباكى على فقد قابوس حفيد أحمد بن سعيد نسل آل سعيد الإمبراطورية !!!!!!!
محمد الوزير
#عاشق_عمان