كتب : عبدالعزيز الكيومي
في احدى مساءات المرحلة الاستثنائية تفاجأت برسالة لونت الروتين القاتم ليوميات دواعي المرحلة لنبتهج أكثر مما توقعنا.!
من قرية “وجمة” المحمية بالتضاريس الجبلية التي تجمع بين الجمال، وهيبة المكان بدأنا مسيرنا وقد أوردت شرحًا سابقًا قبل عدة أشهر عن هذه القرية في احد التقارير .
صعدنا مرورًا “بباب الدويريز” وهو عبارة عن صخرتين بينهما ممر يهيّأ لك كأنك تدخل من باب احدى قلاع عُمان الحصينة، فأكملنا مشوارنا ونحن نستمتع بأكل ثمرة “النمت” وهي ثمرة تشبه البوت في الشكل واللون إلا أنها أقل حجمًا، وجودةً في الطعم، وعند “القبيل” اخذنا استراحتنا لتناول ريوقنا، وقهوتنا فقد أحضر لنا دليلنا اللبن المعطّر بالزعتر السحتني، مع التمر والقهوة بطبيعة الحال.
لم تكن معرفتنا بدليلنا “سعود الذهلي” سوى معرفةً سطحية وبمجرد تآخينا في هذا المسار حرصنا أن يكون صديقًا لنا لما يتميز به من دماثة خلق، وحسن تعامل بالاضافة لخبراته في الحياة التي رافقتنا طوال المسار ليمتع آذاننا مع ما تستمتع به عيوننا فتنعش أرواحنا.
بالقرب من القبيل هناك مفترق الدروب الجبلية لمن أراد أن يتجه صوب “عين الحبنة” عليه الاتجاه نحو الجنوب الشرقي” ومن ابتغى كهف “ساب النار” -وهو مقصدنا- فعليه أن ينحرف إلى الغرب، حيث الصعود الحاد والذي يتطلب التسلق الحر في بعض الأماكن، ويمر بشرفات جميلة أجبرتنا على الوقوف وارتشاف القهوة، والتقاط الصور.
وصلنا كهف “ساب النار” الذي اطلق عليه هذا الاسم لديمومة اشتعال النار حوله بسبب احتكاك اغصان العلعلان المتأثرة بحركة الرياح وكذلك لما تسببه الصواعق من حرائق وبالقرب من هذا الكهف توجد استراحة تظللها شجرة علعلان وبعد تشاور مع “هلال البسامي” تم الاتفاق على تناول وجبة الغداء بعد سبر ما بداخل الكهف من أسرار.
دخلنا الكهف وبدأت الرؤية تنعدم شيئا فشيئا والممر يضيق مع تطاير للبعوض، ومن تحتنا برك مائية وضع فوق بعضها قنطرة من جذوع الاشجار للعبور وبعضها يتطلب مهارة وخفة للمرور، وما أثار اعجابي التكوينات الجيولوجية كالنوازل، والصواعد التي كونتها عوامل التجوية على مر السنين.
بعد تناولنا وجبة الغداء استأنفنا مسارنا صعودًا إلى أن وصلنا القمة وهناك أصبحت ولايات الحمراء، وبهلا، ونزوى على مرمى أبصارنا، ثم اتجهنا غربًا تجاه “القطّار” وهو عبارة عن تجويف كبير ومطل على ولاية الحمراء وتسقط من أعاليه قطرات المياه المتسربة من الشقوق الصخرية لتتجمع في حوضين امتدت لهما يد الخير لتحتوي هذه المياه فيستفيد منها الرعاة، ورعيانهم، وكذلك المارة من المغامرين وغيرهم.
بعد ليلة قضيناها باستماع القصص، والطرف التي أوردها ياسر العبري (وحش الجبل)، وسعود، وهلال خلدنا إلى النوم، وقبيل الفجر أصبحنا نستذكر ما فات ونستعد لما هو آتٍ وكانت لدينا عدة خيارات في اختيار درب العودة وهي:
١- درب البوصلة – الرادار- القنة – عقبة يصب.
٢- درب البوصلة – جبل مدروج.
٣- درب المربض-عقبة الشواغي- الهيامة-حبنة-وجمة.
بعد التشاور اتفقنا على الخيار الثالث فاستأنفنا المسير واخذنا تجربة في سلاسل “صفاة حبشة”، وبعد نصف ساعة وصلنا لمكان يُدعى “علعلان لِمربض” فيه حجرة مبنية بالحجارة، وبالقرب منها بركة تتجمع فيها مياه السيول وقد ذكرتني بمسجد طلحات، ومسجد شرف الهويب، وبعد تناولنا لوجبة الافطار عرج بنا سعود إلى شجرة علعلان ضخمة فوقها عش للنسر وما كان منا إلا أن تسلقنا تلكم الشجرة لنعتلي ذلك العش المهيب لنفهم تفاصيل المكان مع مراعاة عدم تخريب العش والتعامل بلطف مع كل قشة فيه.
واصلنا سيرنا باتجاه الجنوب الشرقي، وعند “عقبة الشواغي” تخطينا الحد الجبلي الذي سنهبط منه إلى وادي السحتن، وموقع هذه العقبة ليس بالبعيد عن مسجد شرف الهويب ولكنه يختصر لنا المسافة، وبمجرد ما شارفنا على وادي السحتن تهللت وجوه القوم برؤية قراهم وواديهم وبدأت الأهازيج تتردد من حناجرهم، وأنا في نعيم النظر، وطرب السمع، والهواء العليل يبعث كل ما هو جميل فينا متمنيًا لو كان بعض الرفاق قد اصطحبونا ولكن حتمًا سأعود إلى هذه البقاع بكامل صحبتي التي لا أبغي لها بدلا.
اخذنا استراحة شرب للماء وإلتقاط أنفاس عند “لِقديرات” وهي عبارة عن قواطير ماء تسقط على حفر صخرية تملأها بالماء العذب وكل حفرة من هذه الحفر تشبه قدر الطعام الصغير ومنها أتت تسميتها بالقديرات.
واصلنا مسيرنا بهبوط متعرج وسهل وفي درب مألوفة لي فقد سلكتها قبل سبعة أشهر مرورًا بعين “لهيامة” ولكن ما أثار اعجابي هو اصلاح مسجد “لِمعلّة” من قبل فتيان السحتن وهناك تناولنا قهوتنا، وأدينا صلواتنا، مرتوين بماء عين “لِمعلّة”،، فأكملنا مشوارنا إلى عين “الحبنة” التي أوردت عنها شرحًا في مقال سابق.
بعد عين “الحبنة” بدأت مرحلة الهبوط السريع باتجاه قرية “وجمة” الوادعة، لنطوي تفاصيل مغامرة انتزعنا لحظاتها الجميلة في مرحلة زمنية يعج فيها العالم بالأخبار السوداوية لننعم بالحياة التي تبتغيها أرواحنا، ونستقبل شهر الغفران بنفوس ملؤها الشكر، والحمد للإله على نعم كثيرة لا تُعد ولا تُحصى.