مُنذ بداية جائحة كورونا (كُوفيد 19)، والجهات الحكومية تنادي وتنصح وتوجِّه وتعمل لجان لمتابعة تطورات هذا الفيروس، بُغية تقليل الخسائر البشرية والمادية والاقتصادية والصحية للدولة، وواكب هذا زخم إعلامي واتصالي متواصل ومستمر بكافة وسائل الإعلام: المقروءة، والمسموعة، والمرئية، إضافة لوسائل التواصل الاجتماعي، وكان هذا الزخم يركز على نقطة مهمة واحدة هي: “خليك بالبيت”، وبضرورة التباعد الاجتماعي، ولكن هناك فئات من المجتمع تطبق مقولة “عمك أصمخ”.
كتبتُ عدة مقالات؛ منها: “الاستهتار مرفوض وبشدة”، و”عُمان فوق الجميع”، وأقصد أن مصلحة عُمان وشعبها فوق فئة المستهترين، وراهنتُ في أحد مقالاتي على الوعي المجتمعي؛ وكتبت مقال: “الوعي المجتمعي.. الأهم في هذه المرحلة”، وانطلقت من منطلقات الثقافة والتاريخ والإرث الحضاري الذي يملكه الشعب، ومن منطلقات الحرص والاهتمام بمقدرات هذا الوطن الصحية والاقتصادية، وعمدت لتشجيع وتحفيز الناس على مواجهة هذه الجائحة مع الحكومة؛ من خلال عمل بسيط هو “خليك بالبيت”، وأصدقكم القول بأنني فشلت في هذا الرهان، بعدما رأيت بأمِّ عيني تواصل الاستهتار من فئات كبيرة من المجتمع بالخروج والمخالطة والرمسات والسهرات، وكنتُ أسمع عن هذه الرمسات والطلعات، وأتلقى المزيد من التجريح والكلام القاسي لعدم خروجي من البيت مرة “متشدد” ومرة “متحجر” ومرة “ما عندك ثقة في الله”، وغيره من الكلام المر، ولكن أسمع وأطنش، وملتزم مع عائلتي بالحجر المنزلي مع أسر أخرى ملتزمة. ورغبة مني في تغيير الروتين الذي عليه أطفالي الملتزمين منذ ما يقرب من شهرين بالمكوث بالمنزل، والذين لم يروا الحياة خارج المنزل من بداية شهر رمضان، خرجت بهم بالسيارة من ولاية الخابورة إلى ولاية صحم بالطريق الساحلي، ورأت عيني العجب العجاب، وكأنَّ الناس كلها بالشارع بين زرافات تمشي ووحدانا، وبين من يقود دراجته الهوائية ومن جالس حول بائع “المشاكيك”، وتجمعات رجالية وأخرى نسائية، متجمعين ورامسين، والوضع طبيعي جدا. ووصلني أن هذا الوضع في ولايات عديدة بالسلطنة، ومع هذا الوضع هل ستستطيع الأسر الملتزمة بالتعليمات المقاومة في مواجهة طوفان الكم الهائل من الخارجين على هذه التعليمات، لا أعتقد ذلك إلا إذا كانت هناك إجراءات صارمة وحاسمة من قبل الحكومة ومن قبل اللجنة العليا الموكل لها متابعة تطورات فيروس كورونا.
أعتقد أنَّ الوضع إذا ما استمرَّ على ما هو عليه الآن، فسنرجع إلى المحور الأول وسوف نستمر شهورًا وسنوات نعاني من هذا الفيروس؛ لذا حان الوقت لتطبيق قرار حظر التجوال، وليكن جزئيا في بدايته بحيث يبدأ من الساعة الخامسة عصرا ولغاية الخامسة فجرا، والذي تكون فيه الذروة للخروج من المنزل، والوقت المتبقي يكفي للدوام وقضاء الأعمال والمشاوير المهمة وشراء مستلزمات البيت.
ظنِّي أن هذا الخيار ربما تم طرحه، لكن أرى أن وقته قد حان للتطبيق حتى لا تتضرر المنظومة التي بنيت خلال شهور سابقة وتضيع الجهود المبذولة سُدى، وحتى لا تنهزم الأسر الملتزمة وتقل عندها الدافعية أمام الطوفان الكاسح من المستهترين، وتطبيق قرار حظر التجوال الجزئي فيه مصلحة وطنية متحققة في وقف سرعة انتشار هذا الفيروس الخطير الذي يبث الرعب في المجتمع، وكبَّدنا خسائر بشرية ومادية واقتصادية نحن في غنى عنها، ويمكن أن نقللها لو طبقنا هذا القرار كما استفادت دول أخرى من تطبيقه سابقا.. ودمتم ودامت عُمان بخير.