مع تذبذب أسعار النفط وتقلب أحواله بين الصعود والهبوط، ومخاطر هذا على الاقتصاد الوطني بشكلٍ عام يتحتم علينا إيجاد البديل، والبديل في السلطنة متوفر ومتاح فقط يحتاج إلى إرادة صادقة وتنفيذ أمين، وقد تحدثنا في مقال سابق (ماذا بعد كورونا؟) عن البدائل المتعددة كالاهتمام بالثروة السمكية والزراعية والموانئ والسياحة والصناعة والابتكار والمبتكرين وغيرها، وفي هذا المقال سوف نركز على بديل مهم جدا وثروة وطنية متوفرة بكثرة في السلطنة، فقط علينا أن ننظر إليه بعين وطنية مخلصة، وهذه الثروة (المعادن) وفي السابق استفادت منها طبقة معينة بينما هي في الأصل مثل (النفط) ثروة وطنية بامتياز.
ولا داعي للحديث عن شهرة عُمان بمعادنها منذ القدم (مجان) فهي معروفه تقريبًا لدى الجميع، إنما الحديث لابد أن يكون عن الخمسين عاماً التي مضت وتحكم شركات معينة في الثروات التعدينية بالسلطنة والتي عملت على استنزاف خطير لهذه الثروة وامتصت جزءا كبيرا منها وجفت بعض المواقع وأصبحت (مدن أشباح) بعد أن كانت عامرة بثروة وطنية كما هو الحال في ولاية شناص، ناهيك عن طمس جوانب تراثية وتاريخية مهمة لأجل عيون (فئة) معينة وخير مثال على ذلك التنقيب عن الرخام وغيره من المعادن في منطقة (حورا برغا) التراثية وهي المنطقة التي تحكي الروايات الشفوية عن وجود ممر سري لمسافة 25 كيلومتراً تحت الأرض يربط قلعة صحار بحصن حورا برغا يستخدم في أوقات الحروب وحصار الأعداء لمدينة صحار، حيث يصل العتاد العسكري والمؤن الغذائية من حصن حورا برغا للمدافعين عن قلعة صحار عبر هذا الممر السري، وهذا ليس حديثنا اليوم فقد كتبت فيه مقال سابق تحت عنوان (أغيثوا تراثنا) بجريدة الرؤية بتاريخ 12 ديسمبر 2016.
الحديث اليوم عن الثروة التعدينية وكيف نجعلها مصدر دخل للدولة بصورة خاصة وليس لشركات معينة أو بصورة أدق كيف نجعل المعادن في السلطنة (كالنفط) الدولة من تتحكم في هذه الثروة ويكون الدخل لميزانية الدولة دون سواها، وقد نجحت دول عديدة في استغلال الثروة التعدينية لتكون مصدر رخاء لها كأستراليا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية بل إن هناك دول تعتبر المعادن والتعدين الدخل الرئيس لها كتشيلي وبتسوانا كما حققت غانا وبيرو وتنزانيا فوائد اقتصادية من صناعة التعدين، بينما السلطنة والتي تمتلك ثروات تعدينية متنوعة وثرية من نحاس وذهب ورخام وحجر جيري وجبس وسيليكا ومنجنيز وكاولين وغيرها لا يمثل هذا في الدخل العام إلا أرقام نخجل من ذكرها، بينما الكسارات والمصانع تدخل الملايين من ثروات هذا الوطن.
إنَّ الشركات العاملة في مجال التعدين لا تقدم أرقاماً حقيقية عن فوائدها خلال السنوات الماضية وتدعي الخسارة وتتحجج بتوظيف الشباب العماني والتعمين وهي حجج واهية ويجب ألا نخضع لها، لذا من الأولى وقف كل التصاريح لهذه الشركات والعمل على تعزيز عمل شركة تنمية معادن عُمان والتي تأسست في عام 2016 برأس مال قدره 100 مليون ريال عُماني بشراكة بين أربعة صناديق استثمارية سيادية عُمانية لتكون هي الواجهة والمسؤولة عن كل ما يتعلق بالمعادن في السلطنة الصغير منها والكبير بالإشراف التام من الهيئة العامة للتعدين، وما أعلن عنه من أن قطاع التعدين سوف يدخل للسلطنة 300 مليون ريال في عام 2030 طموح بسيط ولانريد أن ننتظر إلى عشر سنوات بعدها نقول والله ما نجحنا، المعادن والثروات الطبيعية بالأرض العمانية ممكن أن تدخل هذا المبلغ بشكل سنوي، فالرخام العماني الأغلى بين أنواع الرخام، والدولة من أكبر مصدري الجبس ولكم أن تقفوا على الحدود لتروا عدد الشاحنات التي تخرج خارج البلد بثمن بخس إلى جانب الاتفاقية مع دولة قطر، والنحاس العماني منذ العصور القديمة الأشهر في العالم ومن حفظنا العقل نمر على مصنع صحار للنحاس وهو يعمل في أهم مناجم النحاس في السلطنة، والذهب أكتشف في مواقع عديدة منها ولاية الخابورة فهل سيذهب لمستثمر يعطي الدول الفتات، والكسارات هدمت جبال عُمان واستنزفتها وأصبح بيع تصريح كسارة بمئات الآلاف من الريالات فإذا كان بيع التصريح فقط بهذه المبالغ فما بالك ببيع المصنع!، وغيرها الكثير.
إنَّ قطاع التعدين في السلطنة قطاع واعد ويمكن أن يمثل نقلة نوعية في تنويع مصادر الدخل في البلد، وسيكون له آثار إيجابية في المدى البعيد لتنشيط الجوانب الاقتصادية والتجارية وحتى الاجتماعية في مناطق الامتياز، ودمتم ودامت عُمان بخير.
د. خالد بن علي الخوالدي