آخر تصريح اعلامي لمايك ريان مدير برنامج الطواري في منظمة الصحة العالمية WHO قال فيه إن فيروس كورونا باق إلى امد طويل، ولابد للتعايش معه، وأنه سيكون جزء من حياتنا إلى أن يكتشف لقاحا ناجعا الذي ربما سيأخذ الكثير من الوقت، هذا التصريح الواقعي وأن كان صادما يجعلنا أن نفكر بهذا الفيروس من زواياه المختلفة، وعدم الاكتفاء بالزاوية الطبية والصحية فقط، هذه المقالة هي محاولة لاستعراض الموضوع من زواياه المختلفة، ومن المهم استعراض وجهة نظر المطالبين بالعودة التدريجية إلى فتح معظم الأنشطة التجارية.
المطالبون بعودة الحياة إلى طبيعتها يرون ان مطالبهم أصبحت “منطقية” الان، وذلك بعد أن أكملت السلطنة ما يقرب من 90 يوما من الشلل شبه التام، لماذا يرونها منطقية:
١. لانه خلال 90 يوما الماضية تمكنت وزارة الصحة وأكملت استعداداتها لمواجهة تحديات أكبر مما عليه في ذلك الوقت، وأصبحت جاهزة لاسوء سيناريو صحي من حيث عدد السراير أو غرف العناية أو توفير مراكز الايواء، لذلك فمن المنطقي يطالبون باته لابد للحياة أن تعود تدريجيا، وتعود الأنشطة التجارية إلى ممارسة أعمالها، أو على الأقل معظمها أن لم يكن جميعها.
٢. ضرورة قرار “العودة التدريجية” لأن الأثر الاقتصادي والاجتماعي اصبح ملحوظا ويلامس الجميع، وظهرت أعراضه في تسريح كثير من الموظفين او تخفيض رواتبهم أو تلميح عدد من الشركات بالافلاس، ولا ندري ماذا لو استمر الوضع شهر إضافي، ولكم أن تتصوروا وتضعوا انفسكم مكان المتضررين، فياترى كيف تتصوروا كيف سيكون الوضع كلا في مجاله ومحيطه.
٣. الإحصائيات الحالية في السلطنة تشير أننا أحسن وضعا بكثير من من اسبانيا وإيطاليا ومصر والإمارات وغيرها من الدول في حالات الاصابات وحالات التعافي، واللغة المستخدمة لديهم أصبحت إيجابية ومتجهة لضرورة عودة الحياة إلى طبيعتها مع الأخذ في الاعتبار تطبيق الاجراءات الاحترازية، ومعظم الدول بدأت في تبني هذه اللغة تفاديا لما هو أشد فتكا والما، وهي الأعراض الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والأمنية، عليه ولأن الإحصائيات العمانية افضل واكثر استقرار وسيطرة، لذلك لابد لعمان أن تكون جاهزة بشكل مبكر لخطوة العودة والرفع التدريجي للإجراءات الاحترازية مع أخذ الحيطة والحذر، وإصدار قائمة العقوبات لكل من يخالف الإجراءات الاحترازية.
٤. من السهولة اتخاذ قرارات باستمرارية الإغلاق والمنع وتقيد الحركة، وهذا حق مشروع للدفاع عن وجهة نظر قادة المجال الصحي في السلطنة وهم معنيون بالزاوية التي تخصهم، لكن القضية تخص جوانب اخرى، لذلك لابد عند الحديث عن أي موضوع، النظر إليه من جميع زواياه، وليس الاكتفاء بجانب دون جانب آخر، فقضية فيروس كورونا لها جوانب اخرى الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والامنية، فهل تم حسابها بدقة؟ ومن سوف يتحمل فاتورتها وعواقبها التي ترتفع وستزيد كلفتها يوما بعد يوم.
٥. دول عديدة ومنها الولايات المتحدة على سبيل المثال ضخت أكثر 2.3 مليار دولار أمريكي مبلغ “نقدي” للقطاعات والأفراد المتضررين، إضافة إلى الحزم الاقتصادية التي تطلقها يوم بعد يوم، ودول أخرى لا داعي لذكرها قامت بخطوات مشابهة، هذه الدول لها مبرر أن تغلق لبعض الوقت، وذلك لأنها عوضت في الجانب المقابل كل المتضررين من أفراد ومؤسسات، أما بالنسبة الى السلطنة وبسبب قلة السيولة المالية في الوقت الحالي لم تستطيع القيام بذلك، لذلك من المنطقي إن هي طالبت بتمديد الإغلاق، عليها تعويض الافراد والشركات نقدا، وليس بتسهيلات خجولة كتأجيل الأقساط أو الإعفاءات المشروطة لمن يثبت انه متضرر، علما بأن الدول التي ضخت مبالغ نقدية وقدمت تسهيلات واطلقت حزم تحفيزية استوعبت أنها لا تستطيع الاستمرار في الإغلاق وتقيد حركة الناس، عليه قررت مضطرة بأن لا خيار لديها إلا أن تتجه لعودة الحياة إلى طبيعتها، مع الأخذ في الاعتبار تطبيق الإجراءات الاحترازية في بيئات العمل المختلفة واماكن التجمعات.
٦. المطالبون بتسهيل الإجراءات الاحترازية هم من المتضررين من شركات وأفراد، هم ممن خسروا مبيعاتهم اليومية، ممن انخفض دخلهم الشهري، ممن تم تهدديهم بفصلهم من عملهم، ممن تورط ولم يستطيع تسديد التزاماته في البنك، وغير هذه الحالات الكثير تاثر سلبا بشكل مباشر أو غير مباشر، فهل لدى متخذي القرارات دراية كاملة عن هذه الحالات؟ أو بمعنى آخر: هل تستطيع الحكومة تعويض كل هذه الحالات واستيعابها من خلال مسؤوليتها الوطنية؟
٧. مثلما استمرت هذه الاغلاقات حوالي 90 يوما أو أكثر بقليل، على متخذي القرار استيعاب أن فترة التعافي قد تطول إلى ضعف هذه المدة أو أطول من ذلك، وكل يوم تأخير له فاتورته على الفرد والقطاع الخاص والحكومة.
٨. المتضررون كثر، لكن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي ربما الأكثر ضررا بسبب عدم وجود “نفسا” ماليا عميقا وطويلا يستطيع من خلاله الصمود، ولأن الكثير منهم لن يستطيعوا الصمود ومواجهة هذه الموجة العاتية غير المخطط لها، لذلك هم متضررين ومهددين بالديون والمحاكم والافلاس، والحكومة متضررة ايضا لأنها حاولت لأكثر من 20 عاما او أكثر خلق هذه الطبقة المتوسطة من خلال مؤسسات مختلفة مثل بنك التنمية العماني وصندوق الرفد والهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وبعض الصناديق المدعومة من أموال الحكومة، كل ذلك سوف ينتهي وينهار بإطالة مدة الاغلاق، فاتورة الخسارة الفادحة سوف تقضي على كثير من الدعائم المجتمعية وصمامات الامان وهي الطبقة المتوسطة، وتكلفة بناؤها من جديد لن يكون سهلا ابدا، وربما مستحيلا- على المدى القريب- في ظل الظروف المالية الحالية، لذلك لابد على متخذي القرارات وضع مثل هذه النقاط في الحسبان.
٩. مطلب العودة التدريجية إلى الحياة بحذر مطلب مجتمعي ضروري، لأنه يلامس ويزعج معظم فئات المجمتع، وخاصة العاملين في القطاع الخاص، يلامسهم أكثر من غيرهم، ويرون أن حياتهم تاثرت كثيرا، وهم أكثر الناس إلحاحا بالمطالبة بقرار عودة الحياة إلى ما كانت عليه، فهم ليسوا كموظفي القطاع الحكومي الذين لم يرغموا على أخذ اجازاتهم أو تخفيض رواتبهم، لذلك يشبهون أنفسهم بالمثل القائل “الذي يده في النار، ليس كمن يده في الماء”.
١٠. المطالبون بعودة معظم الأنشطة إلى طبيعتها يرون أن التعايش مع هذا الفيروس هو الحل، ولا يرون انه مغامرة بالتضحية بأرواح الناس، على أن تكون العودة حذرة ومشروطة، وأن تكون متبوعة بثلاثة نقاط أساسية:
أ- استمرارية تكثيف التوعية بكافة اللغات وبكل الأدوات الإعلامية التقليدية والبديلة.
ب. العودة التدريجية لا يعني العودة العشوائية، وإنما تطبيق الإجراءات الاحترازية المماثلة التي طبقت في الأنشطة المفتوحة سابقا كالصيدليات والبنوك، وأن تطبق هذه الإجراءات الاحترازية بكل صرامة حسب طبيعة كل نشاط.
ج. اصدار قائمة العقوبات المغلظة للمخالفين والإعلان عنها للجميع وقت رفع الحظر، فمن غير المنطقي أن قلة من الناس المخالفة والمستهترة تتحكم في مصائر معظم فئات المجتمع، فإن سلمنا أمرنا لهؤلاء، فلن نخطو ابدا إلى الامام، والحل لا يكمن في الاستسلام لهم، بل في رصد ممارستهم والتصدي لهم بما يتناسب مع تجاوزاتهم، وازالتهم من طريق العودة التدريجية إلى الحياة.
ختاما.. مثلما هناك فاتورة صحية لفيروس كورونا، هناك فواتير اخرى يجب حسابها ودفعها وتحمل مسؤوليتها في حال طال امد الإغلاق الجزئي، وبكل تأكيد أن هذه الفواتير ستكون مكلفة جدا، ودفعها لن يكون سهلا ابدا خاصة ونحن في ظروف استثنائية وقاسية محملة بأعباء ثقيلة وتحديات عظام، ويبقى الخيار لأصحاب القرار، وكما يقول الفنان الراحل عبدالحليم حافظ “اللي شبكنا.. يخلصنا”.
بقلم/ خلفان الطوقي