سأركِّز في هذا المقال -بدون أية مقدمات- على قانون استثمار رأس المال الأجنبي، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 50/2019، والذي أعطَى المستثمر الأجنبي أحقيَّة التملُّك بنسبة 100%؛ سواء كان بنفسه أو مع شريك أجنبي آخر.
هذا القانون الذي صَدَر، ويبدو أنه -حسب وجهة نظري- لم يُناقش بشكل مُرضٍ مع الأطراف ذات العلاقة، سوف يؤثر سلبا على الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من جهة، ومن جهة أخرى سيوسع من شبكة التجارة المستترة، وسوف تُرسِّخ هذه التجارة أقدامها، وتعمل في ضَوء النهار وتوسِّع قنواتها لمنافسة الشركات العُمانية الصغيرة والمتوسطة التي يديرها رواد أعمال تفرَّغوا لإدارتها. فبعد ندوة سيح الشامخات، صدرت قرارات لدعم وتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ولعل أهم هذه القرارات المرسوم السلطاني السامي بإنشاء الهيئة العامة لتنمية المؤسسسات الصغيرة والمتوسطة (ريادة)، وإنشاء صندوق الرفد كجهة حكومية تُسهم في تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بقروض طويلة المدى، مع إعفاءات، ويصل حجم القروض إلى 250 ألف ريال، وفترة السماح لمدة تصل إلى سنتين وبنسبة فوائد متدنية، إضافة إلى حزمة من القرارات الحكومية وغير الحكومية المشجِّعة لدعم تلك المؤسسات والشركات التي تُدار بواسطة شباب عُمانيين.
هذه الجهود وغيرها كانت تقف وراء نجاح المؤسسات العمانية منذ العام 2013، وتمَّ صرف مبالغ باهظة من أجل تمكينها وتشجيعها للبقاء؛ لكي تُسهم في رفد الاقتصاد الوطني، هذه الجهود ستذهب سُدى مع تطبيق قانون الاستثمار الأجنبي.
الغريب في الأمر أنَّ قانون الاستثمار الأجنبي الجديد سوف يكون في صالح العمالة الوافدة التي كانت تعمل وفق نظام الكفالة، هذه العمالة سوف تصحِّح أوضاعها القانونية، وسوف تتحول من عمالة وافدة إلى مستثمر أجنبي لها الحقوق في ممارسة التجارة بالسلطنة، حسب بنود قانون الاستثمار الأجنبي الجديد.
وقد جاء في المادة رقم (26) من قانون الاستثمار الأجنبي حزمة من البنود التي تُشجِّع المستثمر الأجنبي الذي يتملَّك 100% رغم تواضع رأس المال المدفوع، وله على سبيل المثال لا الحصر: الحرية في إجراء جميع التحويلات الخاصة بمشروعه الاستثماري من وإلى خارج السلطنة في أي وقت دون قيود.
هذه الميزة التي أُعطِيت للمستثمر سوف توسِّع من حجم التحويلات الأجنبية إلى الخارج، والتي بلغت حسب أرقام البنك المركزي نحو 4 مليارات ريال أو يزيد. هذه المزايا وغيرها التي أُعطيت للمستثمر الأجنبي وفق القانون الجديد، كلفتها فقط مبلغ زهيد جدًّا قدره 3037 ريالا عمانيا، فبهذا المبلغ الزهيد بإمكان أي وافد يعمل في بلادنا أن يتحوَّل إلى مستثمر. ويملك شركة بنسبة 100% ولا يحتاج إلى كفيل. وأنا أناقش معكم هذا القانون الجديد أتساءل وأوجه سؤالي للقائمين على هذا القانون: هل عجزنا أن نستقطب الاستثمارات الأجنبية ورجال أعمال أجانب يملكون الوكالات التجارية؟ واكتفينا فقط بمبلغ زهيد لا يُسمِن ولا يُغنِي من جوع؟ لماذا تخلَّينا عن النظام والقانون السابق الذي كان يتطلب مُوافقة مجلس الوزراء الموقر لتملُّك المستثمر الأجنبي 100% من حجم المشروع؟ وكان القانون السابق يضع شروطًا؛ منها: دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، ورأس مال المشروع، ودور المشروع في نقل التكنولوجيا، وكان من بين الشروط: فرض نسبة تعمين معينة وتدريب المواطنين على رأس العمل.
أمَّا القانون الحالي، فسوف يضرب عرض الحائط بتلك الجهود، ولا حماية للشركات العُمانية، نعم سوف نستقبل شركات أجنبية كثيرة برأسمال زهيد جدًّا، وسوف يظهر لنا في السوق المحلي أجانب كانوا عُمَّالا لكنهم باتوا الآن يحملون صفة أو لقب رجال أعمال!
أسوق لكم هذه الأمثلة وأنا أشارك تخوُّف رواد الأعمال من تأثر شركاتهم الصغيرة والمتوسطة، وحتى تلك الكبيرة، سوف يُلقي هذا القرار بظلاله، وسوف نشاهد استقالات الموظفين القُدامي بالمئات، وسيقدمون على تأسيس مُؤسساتهم الخاصة التي ستُنافس بقوَّة تلك المؤسسات الوطنية، وتُخرجها من السوق ومن دائرة المنافسة.
هذا الموضوع يحتاج إعادة نظر، ويُطرح على طاولة المناقشة؛ بحيث القوانين التي تصدر تكون مُنصِفة لكافة الأطراف، من منطلق “لا ضرر ولا ضرار”.
وأود في ختام هذا المقال أن أشير إلى أنَّ عدد الشركات الأجنبية المسجَّلة بعد صدور قانون الاستثمار الأجنبي بلغ 20857 شركة.
والقرار الأخير الذي ألغَى شرط العامين لانتقال العامل الأجنبي من شركة لأخرى، بجانب قانون الاستثمار الأجنبي، كلاهما سيعيق نجاح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة… فـ”ضربتين في الراس توجع”!
حمود الطوقي