يمارس كيان الاحتلال الاسرائيلي انتهاكاته بشكل سافر القانون الدولي، وهذا هو تاريخ الاحتلال منذ عام ١٩٤٨م حتى اليوم، فلم يكتفِ بما سبق من انتهاكات لحقوق أبناء الشعب الفلسطيني من اجتياحات مستمرة واغتيالات واعتقالات، وبناء مستوطنات وقضم أراضٍ جديدة، وفرض الأمر الواقع في قضية القدس، متجاهلا القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، بل يواصل التعنت السياسي من خلال مشاريع التهام بقية الحقوق الفلسطينية، وهو بذلك يدفع باتجاه التصعيد وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، واليوم فإن مشروع ضم أراضي المستوطنات في الضفة الغربية وغور الأردن كغيره من المشاريع النازية التي يحاول أن يفرضها كيان الاحتلال كأمر واقع بشكل أحادي لا يستند إلى القانون الدولي الذي يعتبر كل أراضٍ محتلة لا يمكن تغيير معالمها أو إلحاقها إلى سيادة دولة الاحتلال، وهنا فإن القرار (٢٤٢) يقضي بانسحاب “إسرائيل” من الأراضي المحتلة ومن ضمنها أراضي الضفة الغربية التي تم احتلالها في عام ١٩٦٧م .
مشروع ضم أراضي الضفة وهي المستوطنات القائمة على أسس غير شرعية والبالغة أكثر من ١٣٠ مستوطنة وعشرات البؤر الاستيطانية، وتمثل ٣٠% من أراضي الضفة الغربية، تعتبر نكبة أخرى جديدة تتعرض لها القضية الفلسطينية إذا نفذ رئيس وزراء “إسرائيل” هذا المخطط، فهو بذلك سيقضي على أي وضعية لقيام الدولة الفلسطينية، ليضيف مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية على غرار ما سمي بصفقة القرن (الفاشلة) والتي سيتم تجاوزها إذا ما تحقق هذا المشروع الاستعماري الجديد، وهنا فإن أي مشروع لدولة فلسطينية هو مشروع هلامي لا يستند إلى قواعد حقيقية، بل هيمنة كلية من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية التي ستقع داخل طوق أمني إسرائيلي، وفي جيوب جغرافية ممزقة لن يسمح بالتواصل بينها إلا من خلال تصاريح من قبل الاحتلال. وهذه الوضعية لا تمثل أي معنى لكيان الدولة على أرض الواقع، إضافة إلى كونها ستكون منزوعة السلاح، وبات أبناء الضفة الغربية تحت رحمة الاحتلال وفي وضع لا يقبله أي عرف إنساني على الإطلاق .
حتى هذه اللحظة من تاريخ (١) الأول من يوليو التاريخ المحدد لتطبيق مشروع ضم أراضي الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، وحتى كتابة هذه السطور، يبدو أن القرار لن ينفذ في هذا التاريخ نظرا لمعوقات كثيرة يدركها أقطاب اليمين الإسرائيلي منها دولية باعتراض أوروبي واسع النطاق واختلاف بين أعضاء الحكومة حول التوقيت المحدد والذي يتزعم الطرف الآخر فيه وزير الدفاع الإسرائيلي جانتس، وهناك وفد أميركي يتواجد في الأراضي المحتلة للوصول إلى تنسيق مشترك مع حكومة الليكود في تنسيق كيفية وتوقيت هذا المشروع الذي يحاول رئيس وزراء الاحتلال اقتناصه كـ”فرصة تاريخية” نظرا لوجود ترامب على رأس الإدارة الأميركية، ولا يريد أن يفوت هذه الفرصة خلال الأربعة الأشهر القادمة وقبل تاريخ الـ(٣) من نوفمبر المقبل .
المشروع يعيد إلى الذاكرة مشروع “الوطن البديل” وهو ما يضع الأردن أيضا في وضع خطير جدا من خلال تنفيذ هذا المشروع الذي يشمل أجزاء من أراضي الضفة وبعض أغوار الأردن، وهكذا هي مشاريع الاحتلال التي تعمل عليها حكومات الاحتلال في ظل ظروف عربية وفلسطينية سيئة جدا، وبالتالي لا يستبعد أن يتم التفكير في المستقبل بمشروع آخر وهو إخلاء الضفة الغربية من سكانها وتهجيرهم إلى “الوطن البديل” لإحكام السيطرة التامة على الضفة الغربية، ولكن رغم الظروف السيئة التي يعيش فيها النظام الرسمي العربي، إلا أن تاريخ الصراع علمنا من هم أبناء الشعب الفلسطيني، والمجتمع الدولي بأسره يعلم أن انفلات الأوضاع في فلسطين سيكلف “إسرائيل” أولا تكاليف باهظة والتجارب الماضية منذ انتفاضة الحجارة عام ١٩٨٧م، وصولا إلى انتفاضة الأقصى الثانية، وانتهاء بالمواجهات المتكررة في العقود الأخيرة والفشل الذريع الذي واجهه كيان الاحتلال الإسرائيلي في تلك التجارب يحتم على حكومة الاحتلال الإسرائيلي أن تحدد خياراتها السياسية، وتعلم مغبة انتهاكاتها السافرة للشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي، وبالتالي فإن أي محاولة لفرض الأمر الواقع لن يجلب لكيانها ومواطنيها إلا الدمار وعدم الاستقرار. وهنا فإن الجدير بالسلطة الفلسطينية أن تخلط الأوراق السياسية وهي تعلم كيف تستطيع فعل ذلك، كما أن الخيار الآخر هو طرق باب الوحدة الوطنية الفلسطينية، وما أجدر رفقاء النضال الفلسطيني إلا بتحقيق وحدتهم في مجابهة هذه الأحداث، وتوحيد المواقف السياسية الفلسطينية وتوحيد فصائل المقاومة منظومة المقاومة، وقد بدأت بالفعل صواريخ المقاومة تتساقط على “إسرائيل” كإنذار قبل أن تنقلب الأوضاع رأسا على عقب، عندها ستضطر “إسرائيل” إلى الدخول في مواجهة مزدوجة من خلال صواريخ المقاومة التي ستنطلق من قطاع غزة، وانتفاضة فلسطينية سوف تشتعل في الضفة الغربية، وعلى حكومة “إسرائيل” أن تعي ذلك جيدا.
إن المجتمع الدولي يجب أن يضطلع بدوره وأن يتدارك ماذا تعنيه هذه الخطوة “الإسرائيلية” التي لن يتم تنفيذها إلا بعد دفع تكاليف باهظة؛ لأن فصائل المقاومة الفلسطينية هي من تملك كلمة الفصل الأخيرة في فلسطين، وتاريخها ما زال حاضرا في الذاكرة الوطنية الفلسطينية، فلا داعي لاستفزازها أكثر من ذلك.
خميس بن عبيد القطيطي